بعد عامٍ على ثورة اكتوبر الروسية كتبَ مكسيم غوركي ما يأتي: «الثورةُ هي ثورةٌ فقط عندما تهبُ كتعبيرٍ طبيعي لقوى الشعب الخلاَّقة. ولو كانت الثورة، على أية حال، مجرد اطلاق غرائز الشعب التي تراكمت عبر العبودية والقهر، فإنها حينئذ لا تكون ثورة لكنها مجرد صخب وحقد وكراهية...». قد لا ينطبقُ هذا الوصف على التجربة التونسية، على الأقل الى حد الآن. لكن ظهور بعض النوازع والدعوات الإقصائية لا يدعو للطمأنينة، وما زالت نتائج الاخطاء الفادحة لعقلية الالغاء والاجتثاث، في العراق، تفعلُ فعلها الى هذه اللحظة. ومن المعروف أنَّ الهدمَ غالباً ما يكون أسهل من البناء. وكل ثورةٍ، هي بطبيعة الحال، شكلٌ من أشكالِ الهدمِ والتقويضِ والتفكيك. لكن، إلى أين يجب أنْ يتوجهَ هذا الهدمُ والتقويض؟ هل تجاه الاشخاص والرموز القديمة أمْ تجاه البنى والمؤسسات أمْ أنه يجب أنْ يطاولَ شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الدولة والمجتمع؟ أمْ أنه يجب أنْ يطاولَ الثقافة السائدة كلها والوعي القديم؟ فهل جاء زين العابدين وحزبه وأعوانه من المريخ حتى نعتقدَ أنَّ قطعَ رؤوسهم واجتثاثهم هو الشرط الضروري لنجاح الثورة؟ ألم تدل التجارب السابقة لثورات العالم وانقلاباتها على أنَّ التطرفَ والاقصاءَ والشخصنة من أكثر الامراض التي تفتك بالشعوب والحركات الثائرة؟ أمْ أنَّ قيمَ التسامح والاعتدال والموضوعية لا تتفقُ مع قيم الحرية والديموقراطية؟ * كاتب سوري