بعد لقاء رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ونائبه السابق، زعيم حركة التمرد رياك مشار في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، حيث تصافحا وصليا معاً واتفقا على «وقف الأعمال العدائية في غضون 24 ساعة»، باشر فريقا النزاع أمس ترتيبات ترجمة الاتفاق على الأرض، لإقرار سلام شامل يطوي الحرب في أحدث دولة في العالم، وسط ضغوط إقليمية ودولية على الجانبين لعدم العودة إلى العنف. وحضر سلفاكير ومشار قبيل توقيعهما الاتفاق، إلى القصر الرئاسي الأثيوبي، حيث تصافحا بفتور على الطريقة السودانية (الربت على الكتف) وجلسا على المنصة يتوسطهما رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين. ولم تظهر ملامح الارتياح على وجهي الرجلين، اللذين ظلا متجهمين طيلة فترة التوقيع على الاتفاق قبل أن يتوجها للصلاة معاً. وبدا الارتياح واضحاً على راعي الاتفاق رئيس الوزراء الأثيوبي، وكذلك وسطاء الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد) ومبعوثي الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. وقال مسؤول في فريق الوساطة الأفريقية ل «الحياة» من أديس أبابا، إن الوساطة بدأت أمس مشاورات مع فريقي الحكومة والمتمردين المفاوضَين، إضافة إلى فريق الكتلة الثالثة المعارضة لسلفاكير، والذي أُفرج عنه لضمان تنفيذ اتفاق وقف النار وتحقيق مصالحة تجنب جنوب السودان العودة إلى الحرب، وتسمح بترميم النسيج الاجتماعي الممزق في الجنوب بعد حرب إثنية بين قبيلتي الدينكا (ينتمي إليها سلفاكير) والنوير (قبيلة مشار) خلفت مرارات وضغائن. وأعرب وسطاء عن مخاوفهم من نشوب خلافات بين الفريقين حول تنفيذ تفاصيل الاتفاق، بخاصة ما يتصل بتشكيل حكومة انتقالية، إذ يطالب المتمردون بإبعاد سلفاكير، وترى قيادات جنوبية أن الأخير ونائبه السابق «فقدا الأهلية الأخلاقية للمشاركة في السلطة، لارتكاب قواتهما مجازر في حق شعب الجنوب». وقال وسيط ل «الحياة» إن «الشيطان يكمن في التفاصيل». ويقضي الاتفاق بوقفٍ لإطلاق النار يبدأ تنفيذه خلال 24 ساعة، ونشر قوات دولية للتحقق من وقف الأعمال العدائية، وإفساح المجال لإيصال مساعدات الإنسانية للمتضررين، والتعاون من دون شروط مع الأممالمتحدة والوكالات الإنسانية. ونص الاتفاق على تشكيل حكومة توافقية ووضع رؤية مشتركة لتداول السلطة وتقاسم الثروة، وتشكيل مفوضية لوضع الدستور، كما تضمن وضع معايير لمفوضية الانتخابات وقانون للأحزاب لتفادي أي مواجهة عسكرية. كما أكد الاتفاق ضرورة فتح ممرات آمنة لعبور المساعدات الإنسانية للمناطق الأكثر تضرراً عبر 4 دول هي السودان وإثيوبيا وكينيا وأوغندا. وعبّر مشار عن سعادته بتوقيع الاتفاق، مجدداً نفيه حصول أي محاولة انقلاب على الحكم في جنوب السودان، ومضيفاً أن «التاريخ سيثبت ذلك». وأوضح أنه لم «يكن يعلم أنه جاء للتفاوض مع سلفاكير»، مشدداً على أنه «لم يأت بأجندة واضحة لكنه قبل التحدي والتوقيع على الاتفاق». وتابع موجهاً كلامه إلى سلفاكير، إنه «ملتزم بإيجاد حل سياسي للأزمة»، معتبراً أن الاتفاق «خريطة طريق جيدة» لحل مشاكل البلاد. في المقابل، ذكر سلفاكير أنه وافق على تقديم «كثير من التنازلات» من أجل «السلام وجعل جنوب السودان دولة مستقلة». وقال بعد حفلة توقيع الاتفاق إن «الحوار هو الإجابة الوحيدة عن أي مشكلة تواجهنا وسنواصل التحرك في الاتجاه السليم». وأضاف أنه لم يأتِ إلى أثيوبيا للدفاع عن موقفه كما فعل مشار، موضحاً أنه «التزم عدم العودة إلى الحرب بعد الانفصال». وأشار إلى التزامه تطبيق الاتفاق من دون إبطاء، معرباً عن خشيته أن «ينتهكه الطرف الآخر». ورأى إن «الأولوية الآن هي عودة الاستقرار والتنمية في الجنوب وليس الحديث عمَّن نفذ الانقلاب»، معرباً عن استعداده لإغلاق تلك الصفحة الدموية من تاريخ البلاد. ورحبت الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة والسودان بالاتفاق، داعيةً الطرفين إلى تنفيذه بسرعة.