قال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني اليوم (الخميس)، إنه لا عودة عن مساعي إقامة دولة كردية مستقلة، لكنه سيسعى إلى تحقيق ذلك عبر الحوار مع بغداد وقوى إقليمية لتجنب الصراع. وقال بارزاني في مقابلة مع «رويترز»، إن الجدول الزمني للاستقلال بعد الاستفتاء الذي سيجرى في 25 أيلول (سبتمبر) المقبل، «مرن لكنه ليس من دون حدود» وتوقع التصويت بنعم في الاستفتاء. وقد يتحول التصويت إلى بؤرة صراع إقليمي آخر إذ تعارض تركياوإيران وسورية والعراق، وهي دول تسكنها أقليات كردية كبيرة، استقلال كردستان في شمال العراق. لكن برزاني قلل من شأن المخاوف. وداخل حدود العراق هناك مخاوف متنامية من أن الهدف الحقيقي للاستفتاء ليس الاستقلال وإنما تعزيز مطالبة الأكراد بأراض متنازع عليها بجانب الحدود المعترف بها لإقليم كردستان العراق مثل مدينة كركوك الغنية بالنفط التي ظل مصيرها مطروحاً للنقاش لأكثر من عشر سنوات. وداخل حكومة إقليم كردستان تؤيد أحزاب مثل «الاتحاد الوطني الكردستاني» بقيادة جلال الطالباني أو «جماعة جوران» المعارضة الاستقلال لكن ليس بالضرورة تحت قيادة برزاني وحزبه «الديموقراطي الكردستاني». وفي قصره فوق تل مطل على قرية صلاح الدين، قال بارزاني إن التصويت سيحدد مصير كركوك التي منعت قوات «البيشمركة» متشددي تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) من السيطرة عليها في 2014. وقال بارزاني إن «أياً كان قرار سكان كركوك في الاستفتاء فينبغي احترام قرارهم». وتدير قوات «البيشمركة» كركوك التي يطالب بها أيضاً التركمان والعرب. وهددت ميليشيات «الحشد الشعبي» التي تدعمها إيران بطرد الأكراد بالقوة من هذه المنطقة وغيرها من المناطق المتنازع عليها مثل سنجاز ومخمور وخانقين. وقال رئيس إقليم كردستان العراق، وهو قومي كردي ومدافع قديم عن حقوق الأكراد، إن المفاوضات مع بغداد والدول المجاورة والقوى الدولية ستبدأ على الفور بعد التصويت بهدف التوصل إلى اتفاق ودي. وقال وهو يرتدي زي «البيشمركة» التقليدي إن «هدفنا الرئيس هو تطبيق وتحقيق قرار شعبنا من خلال السلام والحوار». * محاولة تاريخية اتهم برزاني الحكومة العراقية المدعومة من إيران بعدم التزام اتفاق دستوري يسمح للأكراد بأن تكون لهم سلطات أكبر تحت مظلة دولة اتحادية بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في العام 2003. وقال بارزاني إنه «لمدة 14 عاماً كنا ننتظر ونناقش هذه الشراكة لكن دائماً ما يتم إبلاغنا بأن الوقت ليس مناسباً أو أن التوقيت غير مقبول وسؤالي هو... متى يكون الوقت مناسباً؟». ويسعى الأكراد إلى نيل دولة مستقلة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى على الأقل عندما قسمت قوى استعمارية الشرق الأوسط. لكن انتهى الأمر بتقسيم الأراضي التي يسكنها الأكراد بين العراق وسورية وتركياوإيران. وشنت حكومة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حملة «الأنفال» ضدهم في الثمانينات فقتلت عشرات الآلاف بما في ذلك بالغاز السام في مدينة حلبجة. ونشأ بارزاني، الذي قاد والده صراعات ضد بغداد في الستينات والسبعينات، في المنفى بإيران وعاد وهو مراهق وانضم إلى «البيشمركة» وحمل شعلة المقاومة. وقال إن الأكراد على استعداد لتحمل مسؤولية نتيجة الاستفتاء. وقال: «علينا تصحيح تاريخ سوء المعاملة بحق شعبنا ومن يقولون إن الاستقلال ليس جيداً فإن سؤالنا لهم هو... إذا لم يكن الاستقلال جيداً لنا فلماذا سيكون جيداً لك؟». وقلل من التكهنات بأن الاستفتاء سيؤدي للعنف قائلاً: «شرعية الناس أكبر من شرعية أي أحزاب سياسية أو أي تدخلات خارجية». وتابع: «لا أعتقد أن بوسع أي شخص أن يقف في وجه الموجة الكبيرة لشعب كردستان عندما يقرر مصيره. ربما ستكون هناك بعض المحاولات لإحباط الأمر... سنبذل كل ما في وسعنا لعدم السماح بذلك». وذكر أنه على استعداد إلى تهدئة المخاوف الأمنية للعراق وتركياوإيران، قائلاً إن تأجيل الاستقلال سيؤدي في حقيقة الأمر إلى مزيد من عدم الاستقرار. وقال: «أثبتنا أننا عناصر استقرار. لذا فإن ما نقوم به من خلال الاستفتاء هو منع انعدام الاستقرار الذي يلوح في الأفق. نريد أن نبدد أي احتمال لإراقة الدماء في المستقبل». * بعد الموصل ثمة عامل آخر يضيف إلى الاضطرابات في المنطقة وهو إصرار تركيا على منع أي تقدم آخر عبر شمال سورية من «وحدات حماية الشعب» الكردية. وتضافرت جهود تركيا و«الحزب الديموقراطي الكردستاني» لمحاولة منع «وحدات حماية الشعب» من تعزيز حكمها الذاتي في سورية. لكن تركيا تعتبر أن مساعي برزاني إلى الاستقلال هي سير في الاتجاه المعاكس. وقال برزاني إن «دولته الكردية» ستقدم ضمانات كاملة للأقليات العرقية بما فيهم المسيحيون والأيزيديون والشبك. وأشار إلى أن «البيشمركة» فقدت المئات من مقاتليها وهي تحاول استعادة مناطق تلك الأقليات من تنظيم «الدولة الإسلامية». ومع اقتراب معركة استعادة مدينة الموصل من نهايتها، قال بارزاني إن هذا الانتصار لن يكون كاملاً من دون خطة للمصالحة السياسية. واتهم حكومة العراق بالتقاعس عن إعداد خطة سياسية وأمنية للحكم بعد المعركة. وقال: «حذرت من أنه إذا لم يكن لديكم خطة سياسية فسينقلب الوضع». وذكر أن لجنة رفيعة المستوى تضم إقليم كردستان وحكومة بغداد والتحالف بقيادة الولاياتالمتحدة لمساعدة قادة الموصل على إعادة بناء المدينة لم تجتمع قط. وأضاف: «لدي مخاوف كبرى في شأن الوضع في الموصل وما بعد التحرير لأن نهاية تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل لا تعني نهاية التنظيم. هذه العوامل... الأجواء التي أدخلت التنظيم للموصل لم (تتغير)». وتابع: «لدي مخاوف كبيرة في شأن مستقبل المنطقة. آمل أن أكون مخطئاً».