اعتبر رئيس كردستان شمالي العراق، مسعود بارزاني، أن الوقت حان لتنظيم استفتاءٍ حول إقامة دولةٍ في الإقليم، في وقتٍ كشف قائدٌ عسكريّ عن خطةٍ لتطويق بغداد بسورٍ أمني. ورأى بارزاني، الذي انتهت ولايته الرئاسية، أن «الوقت حان لشعب كردستان ليُقرِّر مصيره عن طريق الاستفتاء». وأكد في بيانٍ له أمس «الفرصة الآن مناسبة جداً لاتخاذ هذا القرار». وانتهت ولايته في أغسطس 2015، لكنه لا يزال يمارس مهامه بحكم الأمر الواقع. وتحول الخلافات السياسية في كردستان دون الاتفاق على آلية لانتخاب رئيس جديد وإجراء اقتراع تشريعي. وإضافةً إلى الأزمة السياسية؛ يواجه الإقليم الذي يمارس حكماً ذاتياً منذ عام 1991 أزمةً اقتصادية جرّاء انخفاض أسعار النفط، ما قد يشكل قيداً جديداً على استقلاله. وذكر بارزاني، وهو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن «الاستفتاء لا يعني أن يعلن شعبنا دولته فور ظهور النتائج، بل يعني أن يعرف الجميع ما الذي يريده شعبنا لمستقبله وكيف سيختار مصيره، فيما ستنفذ قيادته السياسية إرادته وقراره في الوقت المناسب». في الاتجاه نفسه؛ أبدى القيادي في «الديمقراطي الكردستاني»، علي عوني، قناعةً بأن «اليوم أفضل من الغد لإجراء الاستفتاء». وصرَّح «كلما استعجلنا كان ذلك أفضل لنا لأن وضع أعداء الكرد حالياً غير جيد ومتدهور ولأن الوضع في المنطقة مقبل على تغييرات». وأشار عوني إلى «إظهار شعبنا في هذه الفترة سمعة جيدة للعالم واكتسابه تعاطفاً دولياً في محاربة تنظيم داعش»، متداركاً «لهذا يجب أن نُظهِر للعالم إرادة شعبنا في الاستقلال وحق تقرير المصير». ويتألف إقليم كردستان من 3 محافظات هي إربيل والسليمانية ودهوك. لكن الأكراد استغلوا العام قبل الماضي فراغاً تركه انهيار الجيش النظامي في الموصل وفرضوا سيطرتهم على معظم محافظة كركوك الغنية بالنفط وأجزاء من محافظات صلاح الدين وديالى والموصل. ويطالب الأكراد بدولة كبرى تضم مناطقهم في شمال العراقوإيرانوتركياوسوريا. وتعارض حكومة بغداد المدعومة من إيران هذا التوجه بشدة، كما تعارضه تركيا التي تحارب حزب العمال الكردستاني منذ عقود. وعدَّ الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، تشكيل دولةٍ في كردستان مجرَّد طموح. وأبلغ وسائل إعلام الإثنين الماضي بقوله «ليس هناك مشروع متَّفق عليه بين الكرد في إعلان استقلال لأن به مشكلات كثيرة». ورغم إجماع الأكراد على فكرة الاستقلال؛ تبرز خلافات سياسية عميقة بين أحزابهم الحاكمة للإقليم شبه المستقل. وطرد بارزاني حزب غوران، ثالث أكبر الأحزاب الكردية، من عاصمة الإقليم إربيل بسبب هذه الخلافات. وتساءل معصوم، وهو كردي وقيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إن كان الاستقلال المطلوب هو ل 3 محافظات عراقية فقط أم لكل الأراضي الكردية في تركياوإيرانسورياوالعراق. ولاحظ أن «تشكيل دولة ليس متعلِّقاً برغبة ذاتيّة، إنما هناك مسائل إقليميّة ودوليّة ليست سهلة»، في إشارةٍ إلى معارضة تركيا وايران تشكيل دولة جديدة على حدوديهما. وكان بارزاني أطلق قبل 18 شهراً دعوة مماثلة لدعوته أمس. وشرع الأكراد في تصدير النفط من حقول كركوك التي تسيطر عليها قوات البشمركة والحقول الأخرى في الإقليم عبر ميناء جيهان التركي بخلاف رغبة الحكومة الاتحادية في بغداد. وانسحبت القوات الاتحادية من مواقع في شمال العراق في صيف عام 2014 عندما هاجم مسلحو «داعش» مدينة الموصل. وسمح ذلك للقوات الكردية بتثبيت سيطرتها على المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإربيل. وفرضت قوات البشمركة سيطرتها على أجزاء واسعة من مدينة كركوك التي ستشكل نقطة توتر رئيسة. ويقيم بارزاني علاقات وطيدة مع الحكومة التركية، لكن أنقرة تخوض معارك عنيفة ضد حزب العمال الكردستاني، وتعتبر أن إنشاء دولة كردية على حدودها الجنوبية قد يفسح المجال أمام دعوات مماثلة لمواطنيها الأكراد. ويُوصَف الجانب الاقتصادي ب «أبرز عقبات الاستقلال»، إذ تعدُّ موافقة تركيا، الشريك الاقتصادي الأول للأكراد في تصدير النفط والاستثمارات الأخرى، أساسية لمُضيِّهم في مشروعهم. وتعتمد حكومة إربيل في تمويل مؤسساتها على بيع النفط الذي هبطت أسعاره بشكل حاد لتصل إلى 30 دولاراً للبرميل الواحد. ولا تتوفر لهذه الحكومة سبلٌ للحصول على سندات وقروض دولية على غرار بغداد. ويواجه الأكراد أزمة نقد حادة وينفذ الموظفون منهم حالياً اعتصاماً بسبب عدم تسلم رواتبهم منذ 4 أشهر. وكان إقليمهم وجهة سياحية بارزة حتى قبل عامين، لكن توسُّع «داعش» يحول دون انتعاش السياحة مجدَّداً. في غضون ذلك؛ استعاد مقاتلون من العرب السنَّة مدعومون بقوات كردية وغارات جوية تقودها الولاياتالمتحدة قريةً في شمال العراق أمس.وأفاد قادة عرب وأكراد بأن الهجوم بدأ في منطقة مخمور جنوبي أربيل في وقت مبكر من صباح الأربعاء وأسفر عن استعادة قرية كوديلة «في إطار سلسلة عمليات لإخراج تنظيم داعش من المنطقة».وكانت القوات الكردية دفعت التنظيم الإرهابي إلى التقهقر في مناطق الشمال، لكنها أحجمت عن المُضيّ قُدُماً في أراضٍ تسكنها أغلبية من العرب خوفاً من وصف السكان لها بقوَّة احتلال. وكان المقاتلون العرب السنَّة يتدربون في منطقة مخمور كجزءٍ من قوات «الحشد الشعبي». وتحدث قائد قوات البشمركة، قادر قادر، عن «خطة لدى المقاتلين السنَّة لتحرير كافة المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون بالتنسيق معنا وبدعمٍ من طائرات التحالف». وأكد أحد أفراد البشمركة، في اتصالٍ هاتفي من قرية كوديلة سُمِعَت خلاله أصوات نيران مدفعية ثقيلة، أن الإرهابيين نشروا 3 سيارات ملغومة يقودها انتحاريون لصد الهجوم. وأبلغ الشيخ فارس السبعاوي، وهو أحد 3 قادة للحشد الشعبي في المنطقة، عن رؤيته أشلاء مقاتلين متناثرة حول كوديلة التي كانت تُطلَق منها صواريخ على مخمور.ولفت إلى استعادة الحشد الشعبي قرية أخرى في المنطقة بالتنسيق مع البشمركة قبل أيام، ملاحظاً «إنهم يعملون كفريق واحد». ووفقاً له؛ سيتقدم الحشد في اتجاه القيارة التي تعدُّ معقلاً ل «داعش» على مسافة 10 كيلومترات إلى الغرب من كوديلة. ومن شأن ذلك زيادة الضغوط على الموصل التي يسيطر عليها التنظيم في وقتٍ يفرض البشمركة حصاراً جزئياً عليها. ويؤكد مسؤولون عرب وغربيون سعي التحالف الدولي ضد الإرهاب إلى تحرير المدينة هذا العام بالتعاون مع القوات العراقية؛ بالتزامن مع معركة مماثلة لمحاولة إخراج المتطرفين من معقلهم في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا. وتعهد وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، ببدء «عملية الموصل» في النصف الأول من العام الجاري. في سياق متصل؛ أفاد بيان عسكري أمس ببدء قوات الأمن العراقية تشييد سور إسمنتي حول بغداد في مسعى لمنع هجمات إرهابية. وأعلن «داعش» مسؤوليته عن عددٍ كبيرٍ من الهجمات في العاصمة خلال الأشهر الماضية. وفي أحدثها؛ استهدف مسلحون مركزاً تجارياً في ال 11 من يناير الفائت ما أوقع 18 قتيلاً على الأقل. وفي البيان الذي نشره الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع؛ ذكر قائد عمليات بغداد، الفريق الركن عبد الأمير الشمري، أن «السور الأمني المزمع إنشاؤه سيطوِّق المدينة من جميع الجهات» وأن «التحضيرات لبدء العمل انطلقت يوم الإثنين الماضي». وتوقَّع الشمري إسهام المشروع في رفع السيطرة داخل العاصمة وفتح الطرق المغلقة «فضلاً عن إشاعة الاستقرار فيها كونه يمنع تسلُّل العناصر المشبوهة والإرهابيين». وستبدأ أعمال التشييد في منطقة الصبيحات (30 كيلومتراً إلى الغرب من بغداد) ليتسنَّى عزلها عن الفلوجة التي يتخذ منها المتطرفون معقلاً منذ فترة طويلة. وتحيط أسوارٌ إسمنتية، شُيِّدَت في فترة الاحتراب الطائفي قبل 10 أعوام، بعددٍ كبيرٍ من أحياء العاصمة. وكشف الشمري عن نية ل «إزالة بعض الحوائط الإسمنتية في المناطق التي لم تعد تتعرض لتهديد». وستُستخدَم الحوائط المزالة في السور الجديد الذي سيُزوَّد بكاميرات مراقبة وأجهزة لكشف المتفجرات. لكن يُتوقَّع بقاء لأسوار والحواجز حول المنطقة الخضراء التي أنشأتها الولاياتالمتحدة في قلب العاصمة بعد الغزو عام 2003. والمنطقة الخضراء شديدة التحصين تضم في الوقت الحالي مباني الحكومة والبرلمان وعدداً كبيراً من السفارات بينها الأمريكية والبريطانية.