لا يوجد حراك في تاريخ الأمم كهذا، ولا مجال لتغيير في مسارات الشعوب كهذا، ولا تمكن مضاهاة ما يجري في غرف الجلوس بما يحدث فيها الآن، فعلى رغم وجود الكنبات (الأرائك) في المكان ذاته، ورغم جلوس الأفراد في المواقع نفسها، ورغم تعديل جزئي في وضع هذه الكنبة هنا أو موقف هذه الكنبة هناك، إلا أن كنبات اليوم والجالسين عليها والقابعين في مداراتها والمحتمين بظلالها قد خرجت من كبوتها واستفاقت من غيبوبتها واستعاضت عن بلادتها باستعدادات وفيرة وتجهيزات أكيدة واستنفارات عتيدة، حتى وإن كانت تجري من على مقاعدها الوثيرة متكئة على مساندها المريحة ومستأنسة بوساداتها العريضة. الجماهير العريضة وفئات الشعب العديدة التي اعتادت على مر عقود بلع ما يفرض عليها من حكام وما تمليه عليها الأقدار وما تُملأ به أقداح هذا النظام أو ذاك باتت مستنفرة للانتخابات مستنكرة للجدليات متحفزة للمحاولات الرامية سواء إلى تشويهات أو عرقلات أو حتى مساءلات، حتى وإن كانت مبنية على حسن نيات أو رغبة في الإصلاحات. «سبق السيف العذل، ولم يعد هناك وقت أو جهد أو مجال للتوقف أو التربص أو التأني. لم يعد هدف الشعب عيش وحرية وعدالة، على الأقل بحكم الموقف الراهن، بل أصبح يحلم بانتخابات ورئيس يلم الليلة حتى نعيش». مطلب «لم الليلة» الذي جاهر به المواطن «الكنبوي» الذي مر بكل مراحل الربيع المصري بدءاً بالقهر والصبر ومروراً بالثورة والحلم وانتهاء بالفوضى والرعب، بات المطلب الأبرز والأشهر لأعضاء حزب الكنبة صاحب القاعدة العريضة والشهرة الأصيلة والأغلبية المريحة بين المصريين. ف «لم الليلة» عبارة مصرية أصيلة تعني في قاموس اللغات الخاص ب «حزب الكنبة» إنهاء مرحلة انتقالية طالت حتى باخت، وطيّاً لأحلام ثورية خُطفت حتى راحت، وإسراعاً إجرائياً لانتخابات رئاسية وردت في خريطة طريق رُسِمت في عجالة إنقاذاً لوطن وشعب باتا معرضين للإزاحة. أزاح أعضاء «حزب الكنبة» من أمامهم كل ما لا يتعلق بالمرحلة الآنية من جهود إغاثة، فاكتفت القاعدة العريضة بمتابعة قريبة لتصريحات هذا وذاك، من دون الالتفات إلى شتائم أنصار هذا لذاك. ورضت بمراقبة أخبار الحملتين ومراقبة تصرفات المرشحين وهنأت بمشاهدة تحركات المشهدين من دون النظر إلى صراع الهاشتاغين أو عراك البرنامجين أو مشاكسة المناظرتين الافتراضيتين. «افتراض أن المصريين كلهم يدقون على أزرار الكمبيوتر وال «آي باد» والمحمول طيلة النهار وعلى مدار الليل غباء واجتزاء ورعونة. المهمومون حقاً والمهروسون فعلاً والسائمون قرفاً لا يتوقفون كثيراً عند لوحة المفاتيح، فهم منغمسون في كنباتهم بفئاتها المختلفة بعد عناء يوم طويل من أجل لقمة العيش ويمضون وقتهم في عد الدقائق والثواني لاجتياز هذه المرحلة. صحيح أن بينهم من سينتخب السيسي من دون تفكير ومن يميل إلى صباحي من دون تعليل، إلا أنهم متفقون على أن كليهما نصر في حد ذاته، ونجاح بغض النظر عن الأسماء». هكذا يشرح الموظف المطحون ذي العقل المهموم والقلب المجروح جرحاً ثورياً عميقاً أجهزت عليه تيارات سياسية دينية عتيدة فلوثته وزادت من سقمه، وبات يهفو إلى «استقرار» وإن كان بنكهة نظام قديم، و «أمان» وإن كان على حساب حريات وأحلام، وانتهاء لمرحلة بأي شكل كان. وكانت الطوابير المتراصة على أبواب لجان الاقتراع على التعديلات الدستورية في كانون الثاني (يناير) 2014، وقبلها الخروج الكبير لجموع المصريين في حزيران (يونيو) 2013، وبسببهما الإقبال على تحرير التوكيلات لكلا المرشحين في مكاتب الشهر العقاري، هي الإعلان الرسمي والبرهان الفعلي والدحض المعملي على أن حزب الكنبة بات فاعلاً، إن لم يكن بالتظاهرات والهتافات، أو عبر النشطاء والجمعيات، أو من خلال التهديدات والتنديدات، أو بفعل فتاوى الإرهاب ومنتفعي الجماعات، فبالمكوث على الكنبات وانتظار تعليمات المنطق وتوجيهات الحجة وأوامر الاحتياج. تميل القاعدة العريضة للحزب غير المعلن ذي المقار الرسمية في البيوت المصرية والتوجهات السلمية عبر تجاهل حروب الهاشتاغ وتناسي معارك التصويتات والترجيحات والارتقاء على صراعات الساعة (ساعة السيسي) و «السيشوار» (شعر صباحي) أن تدخل فترة صمت انتخابي طوعي، لا تعكره هتافات معادية، ولا تشوشه اتهامات مزاحمة، ولا تسيئه تلميحات مراوغة. «أستاذ سليمان» و «مدام هناء» من نشطاء «حزب الكنبة» الذين تكرر هجرهم كنباتهم مرات عدة في الأشهر العشرة الماضية، وتحديداً منذ 30 حزيران (يونيو) الماضي، دخل كلاهما في صمت انتخابي اختياري ينتهي يوم 26 الجاري أمام لجنتيهما الانتخابية. يقول: «لا وقت لدي أهدره في هذا سرق برنامجي الانتخابي، وذاك مناضل من ورق. سألتزم كنبتي إلى حين إشعار انتخابي». وتقول: «سأقرأ البرنامجين إن وجدا، وسأشاهد المناظرات إن عقدت، وسأجلس مع أسرتي على كنبتي إن اتسعت لنا جميعاً إلى حين موعد الانتخاب، وكل ما عدا ذلك فهو في غير اختصاص حزب الكنبة». لقد قلب «الكنبويون» المصريون الموازين العالمية للتوجهات «الكنبوية» شرقاً وغرباً.