انطلاق إشارة البدء كان يفترض أن يعني أن كلاً اتخذ مكانه واختار عنوانه، إلا أن الإشارة هذه المرة تأتي متأخرة وإن التزمت بالتوقيت ولم تحد عن موعد الترشيح، كما أن كلاً قد أخذ بالفعل عدته وجهز حملته واستفاض في عرض وجهته. أعضاء «حزب الكنبة» والناشطون والحقوقيون والثوريون جاهزون مستنفرون متأهبون محتشدون من أجل المحطة المقبلة، حيث اصطفاف الطوابير وامتناع المحبطين واستنفار الأمنيين وإجهاز الغاضبين والمجاهدين والمجاملين لهما، أملاً في إفساد خريطة الطريق، وتحديداً محطتها الرئاسية. المحطة الرئاسية الموعودة والحملة الدعائية المعهودة والهجمة التنافسية المسبوقة بكل ما تشتهيه الأنفس من إثارة، حيث التراشق بالاتهامات والتنابز بالأيديولوجيات والتفاخر بالإنجازات، وكذلك التشويق الذي لا يخلو من ترغيب ببرامج قومية رنانة ووعود اجتماعية جبارة ومصارحات اقتصادية طنانة، انطلقت قبل موعد الانطلاق الرسمي بأسابيع. وعلى رغم ذلك، تبقى الانطلاقة الرسمية مطلوبة والمراقبة الانتخابية منشودة، حيث مؤاخذات اللجنة العليا للانتخابات وما ينتج عنها من اعتذارات، أو هجمات القنوات الفضائية ببرامجها التي كانت حوارية وتحولت صراعية وما يتبعها من مقابلات وإن كانت دعائية ومناظرات وإن ظلت أحادية ومقارنات وإن اتسمت بالعدائية. العدائية «المعلنة» بين حملتي المرشحين الرئاسيين عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي تغلب عليها العاطفة الجياشة وتتحكم فيها الألفة الفياضة وتسيطر على كلماتها وعباراتها حب المرشح الجارف من قبل هؤلاء من رافعي شعار «تحيا مصر» عنواناً وهاشتاغاً، وأولئك من معتنقي لوغو «هنكمل حلمنا» شعاراً وهاشتاغاً أيضاً. وبين الهاشتاغيين المتناحرين والمرشحين المتنافسين والحملتين المتواجهتين، تقف كتلة ثالثة تصطاد تارة في مياه هذا المرشح، وتشن تارة أخرى حرباً شعواء على ذاك المرشح، وتحاول أن ترشق عصفورين رئاسيين بحجر واحد يبدو «إخوانياً» مرة، وناشطاً مرة، لكنه شاتماً دائماً. إلا أن للشتيمة درجات، وللسب عتبات، وبات الجميع قادراً على تفنيد هوية التغريدة وصاحب التدوينة ومروج الأقاويل بحسب نوع الشتيمة وعمقها. فمحبو السيسي يتفكهون بهاشتاغ صباحي «هنكمل حلمنا»، محولين إياه إلى «هنكمل هرينا» (حيث اتهامات لحملة صباحي باعتمادها الهري «الكلام الطنان» بديلاً من العمل) أو «هنكمل خمنا» (حيث اتهامات لصباحي بالالتباس نظراً إلى تأكيده الدائم على ناصريته ورفضه المستمر لحاكم بخلفية عسكرية) أو «هنكمل شعرنا» (حيث تفكه على شعر صباحي بتصفيفته المميزة)، بالإضافة إلى تغيير المعنى، حيث «تحيا مصر ودعونا ندخل ننام حتى نكمل حلمنا»، فيما أنصار صباحي يبدعون بإضافات هاشتاغية دعائية، حيث «حلمنا ملك لنا لكن مصر ملك الجميع» أو «لن تحيا مصر إلا لو هنكمل حلمنا» أو «تحيا مصر من غير السيسي». وعلى رغم أن مصر ملك لجميع المصريين، حيث افتراض حرية الاختيار واعتقاد استقلالية الاتجاه، إلا أن المثير هو أن شعوراً ما دفيناً يجتاح محبي المرشحين بمناصبة الآخر العداء لمجرد إنه تجرأ وترشح أمام مرشحه. ويظل الشعور العدائي المترجم سخرية أو انتقاداً أو اعتراضاً، يختلف كل الاختلاف عن الشعور العدائي المترجم حرقاً أو تفخيخاً أو تفجيراً. تفجير الحملات الدعائية التي انطلقت رسمياً الجمعة بين «نجمة» السيسي و «نسر» صباحي، سبقتها انطلاقة غير رسمية مصحوبة باستقلالية شعبية ووضوح رؤية كنبوية غير مسبوقين، فوفق استطلاع رأي أجراه «المركز المصري لبحوث الرأي العام» (بصيرة)، حسم 85 في المئة ممن لهم حق الانتخاب أمرهم واختاروا مرشحهم، بغض النظر عن المقابلات التلفزيونية المتوقعة والمناظرات الانتخابية غير المتوقعة والحملات الانتخابية التي باتت معروفة والتراشقات التنافسية التي أصبحت مشهورة. 72 في المئة سيعطون أصواتهم ل «النجمة»، واثنان في المئة سيعطونها ل «النسر»، وواحد في المئة سيبطلون أصواتهم، في حين يبقي 20 في المئة على أصواتهم لأنفسهم إما غضباً أو احتجاجاً أو باعتبار الموقف برمته انقلاباً. انقلاب هذا الناخب على مرشحه أو تقلب ذاك الناخب من «النسر» إلى «النجمة»، أو العكس، في اللحظات الأخيرة أمر وارد، لكن من غير الوارد أن يتوقف هري الهاشتاغ عن الاستعار، أو يحتكر أي من المرشحين الكتلة الانتخابية المركزية الاستراتيجية، ألا وهي «الغلابة»، لنفسه أو يتوقف صاحب «النجمة» عن اعتماد شعبيته وترسيخ شهرته على «طوق نجاة يونيو» وخطر الإرهاب ووحشية الاقتصاد وغليان الهرم الاجتماعي، أو ينأى حائز «النسر» عن «أفلاطونية يناير» وحلم القصاص وأمل الشباب. وبينما تنطلق الحملات وتستعر المواجهات، يعلم الجميع، مشاركين ومقاطعين ومحبطين، أن «النسر» ل «النجمة» ضرورة ليتحول السباق من استفتاء إلى انتخاب، تماماً كما أن «النجمة» ل «النسر» ضرورة ليحلق في سماء الانتخاب بدل الاكتفاء بآفاق النضال. بقيت الإشارة إلى أن «أكل العيش يحب الخفية» ولو في الانتخابات الرئاسية، حيث تغريدة «#هنكمل_حلمنا غرف نوم بسعر مناسب وضمان خمس سنوات» مع رقم محمول، أو «أفضل الأجنحة الفندقية وأفخم الغرف السياحية في منتجع كذا. #تحيا_مصر».