غلبت «الاستشارات» الإقليمية حول الأزمة اللبنانية، على الاستشارات النيابية، لتسمية رئيس الحكومة العتيدة التي كانت مقررة أمس، فأجلها رئيس الجمهورية ميشال سليمان مدة أسبوع لإفساح المجال أمام الأولى التي تجلت بالقمة السورية – التركية – القطرية التي عُقدت في دمشق أمس، نظراً إلى أن الأزمة السياسية المتصاعدة تتجاوز تسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة بعد إسقاط المعارضة حكومة الرئيس سعد الحريري الذي تأكد ترجيح تسميته من أكثرية نيابية واضحة لو جرى تعداد الأصوات، على رغم رفض المعارضة تسميته واتجاهها لتسمية غيره لو حصلت الاستشارات النيابية. وفي دمشق أكد اللقاء الثلاثي، الذي ضم الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمس، على إيجاد حل للأزمة في لبنان «مبني على المساعي الحميدة» السورية – السعودية لتحقيق التوافق ومنع تفاقم الأوضاع في لبنان. وعلمت «الحياة» انه نتيجة القمة تقرر ايفاد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم ووزير الخارجية التركي داود أوغلو إلى بيروت اليوم للقاء أطراف الأزمة. وكان الأسد وأردوغان والشيخ حمد عقدوا اجتماعاً في قصر الشعب بعد ظهر أمس. وأفاد بيان رئاسي سوري أنه تناول «آخر مستجدات الأوضاع في المنطقة، خصوصاً الأزمة في لبنان، حيث تم التأكيد على حرص القادة الثلاثة على أن يكون هناك حل لهذه الأزمة مبني على المساعي الحميدة السورية – السعودية لتحقيق التوافق بين اللبنانيين ومنع تفاقم الأوضاع». وأشار البيان إلى أن القادة الثلاثة «رحبوا بقرار لبنان تأجيل الاستشارات النيابية ريثما تتحرك الجهود السياسية لمساعدة اللبنانيين على إيجاد الحل الذي يحقق مصالح الشعب اللبناني واستقرار لبنان». وجرى اللقاء في حضور وزراء الخارجية، السوري وليد المعلم والتركي أحمد داود أوغلو والقطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. وأقام بعده الرئيس الأسد مأدبة غداء حضرها الوزراء الثلاثة. وكان الأسد وأردوغان والشيخ حمد عقدوا لقاء ثلاثياً في إسطنبول في أيار (مايو) الماضي. وتوسعت المداولات الخارجية فأعلنت طهران عصراً ما سبق لأنقرة أن أعلنته عن أن وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي أكبر صالحي سينتقل ليلاً (أمس) إلى تركيا للبحث في الأزمة اللبنانية مع المسؤولين الأتراك. وبقي طيف القرار الاتهامي وتسليمه من قبل المدعي العام الدولي في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين لدراسته، يحوم فوق رؤوس أطراف الأزمة طوال يوم أمس كما كان متوقعاً، إلى أن أكد رئيس قلم المحكمة هرمان فون هايبل مساء، أن المدعي العام لدى المحكمة «قدّم قرار اتهام إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، مرفقاً بالعناصر المؤيدة. وأُودِعت المستندات المتعلقة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وآخرين، لدى قلم المحكمة عند الساعة 16.35 من بعد ظهر الاثنين 17 كانون الثاني (يناير) 2011. وسيتولى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، النظر فيها. ويبقى محتوى قرار الاتهام سرياً في خلال هذه المرحلة». وسبق لمسؤولي التواصل في المحكمة أن أعلنوا أن دراسة فرانسين للقرار الاتهامي الذي سلمه بلمار قد تستغرق بين 6 و10 أسابيع ليقرر إذا كانت الاتهامات مسندة وفقاً لأصول الإجراءات والإثبات والأدلة ومعايير القانون الدولي، فيجيز إذا اقتنع بالتهم، البدء بإجراءات المحاكمة، ومنها إبلاغ المتهمين ليتم الإعلان عن القرار بعدها. وهذا يعني أن القرار الاتهامي سيبقى سرياً إلى أن ينتهي فرانسين من دراسته وتنتهي الإجراءات التمهيدية لبدء المحاكمة. وأوضح بلمار في بيان له ليلاً أن القرار الذي سلمه سري وأنه «يشكل بداية المرحلة القضائية لعمل المحكمة وسيمضي المدعي العام وفريقه قدماً في أداء المهمات المناطة بهم على صعيد النشاطات التحقيقية المتواصلة والادعاء في قضية الحريري». ووعد بلمار بإصدار بيان اليوم يشرح فيه أهمية هذا الإجراء. وكان إعلان تأجيل الاستشارات النيابية من قبل المديرية العامة للرئاسة اللبنانية «توخياً للمصلحة الوطنية»، صدر قبل ساعة من موعدها المحدد. وبدا واضحاً أن التأجيل جاء لإعطاء فرصة للجهود الخارجية، لا سيما القمة الثلاثية، وأن الأخيرة لم تكن بعيدة من هذا التأجيل، خصوصاً أن البيان الثلاثي رحب بالتأجيل. وحرص سليمان في كلمة له ألقاها بالتزامن مع التأجيل خلال استقباله التقليدي للسلك الديبلوماسي مع بداية كل عام، على التأكيد أنه «مع امتناننا للأشقاء العرب وأهمية الإفادة من مساعيهم الحميدة فإن المسؤولية الأهم تبقى على عاتقنا نحن اللبنانيين لاجتراح الحلول السياسية المناسبة من خلال المؤسسات ونهج الحوار الصادق والخلاق والفرصة متاحة أمامنا...». وقالت مصادر رئاسية ل «الحياة» أن الفرصة المتاحة «يُقصد بها أيضاً ما يمكن أن تنتجه القمة الثلاثية من دينامية قد تتيح التوافق، خلال الأسبوع المقبل، على أن تأتي الاستشارات لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة في ظله». وعلمت «الحياة» أن قرار الرئيس سليمان تأجيل الاستشارات جاء نتيجة تحرك قام به المعاون السياسي لرئيس البرلمان، النائب علي حسن خليل بناء لطلب من الرئيس نبيه بري في اتجاه رئيس الجمهورية وقوى أخرى. وذكرت مصادر واكبت الاتصالات في هذا الصدد بينها نواب من كتلة «المستقبل» أن الرئيس سليمان اتصل بالرئيس الحريري لاستمزاج رأيه في فكرة تأجيل الاستشارات فكان جواب الأخير أنه ليس مع هذا التأجيل وأنه مستعد للذهاب إلى موعد كتلته في الاستشارات (بعد ظهر أمس) وأن التأجيل هو قرار الرئيس. وأوضحت المصادر أن التأجيل جاء بطلب من الفريق الآخر بعدما تيقن من أن الحريري يملك أكثرية الأصوات. وعلمت «الحياة» أن اتصالاً جرى أيضاً برئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط للتشاور معه في شأن التأجيل فكان موقفه أنه لا يطلب التأجيل وأنه مستعد للذهاب إلى الموعد المحدد لكتلته في الاستشارات وأنه لا يريد أن يحمّله أحد مسؤولية أنه كان وراء التأجيل. وأفادت مصادر نيابية إلى «الحياة» أن الحريري كان سئل عن موقفه إزاء مطالبته بأن يعلن قبل التكليف تبنيه لمطالب المعارضة التي عددها الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في شأن وقف التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان ووقف تمويلها وسحب القضاة اللبنانيين منها، لإدراجها في صلب البيان الوزاري، وأن يطلب هو تأجيل الاستشارات إفساحاً في المجال أمام إنتاج تسوية تسهل التكليف والتأليف، إلا أن الحريري، بحسب قول المصادر النيابية، كان جوابه أنه لن يطلب شيئاً من أحد ولن يقبل أن يفرض عليه شيء وأنه سبق أن قال كلاماً واضحاً من التفاهم السعودي – السوري في رسالته التي وجهها إلى اللبنانيين من القصر الجمهوري مساء الجمعة الماضي، والتي أكد فيها التزامه هذا التفاهم. وذكرت المصادر النيابية أن الحريري لم يعد يقبل أن يحصل معه، ما حصل عقب إدلائه بموقفه الذي تراجع فيه عن الاتهام السياسي لسورية بالتورط في جريمة اغتيال والده في جريدة «الشرق الأوسط» وأكد فيه وجود شهود زور ألحقوا الأذى بالعلاقة اللبنانية – السورية، والذي تبعه هجوم وحملات عليه وعمليات ابتزاز... وفي المقابل ذكر مصدر قيادي في «حزب الله» ل «الحياة» أن التقديرات تفيد بأن «تأجيل الاستشارات جاء من ضمن تصور بوجوب إفساح المجال أمام المزيد من الاتصالات والحركة التي نراها في دمشق تعطي فرصة لذلك». وكشف النائب جنبلاط، الذي أجرى اتصالات ولقاءات علنية وأخرى بعيدة من الأضواء من أجل احتواء التأزم الحاصل، عن موقفه من تسمية رئيس الحكومة المكلف في تصريحه الأسبوعي لجريدة حزبه إذ قال: «المسألة ليست مسألة تعداد أصوات وإحصاء النواب بل المسألة أدق من ذلك بكثير وتتصل بضرورة عدم عزل أي طائفة لطائفة أخرى، لا سيما في الساحة الإسلامية حيث ترتدي القضية حساسيات إضافية، فكما احترمت في السابق خيارات طوائف معينة في ترشيح من يمثلها فمن الأفضل تكرار هذه التجربة في رئاسة الحكومة المقبلة...». واعتبر المراقبون هذا الموقف حسماً لتوجه جنبلاط، الذي كانت المعارضة تراهن على مراعاته رفضها عودة الحريري، بتأييد الأخير في الاستشارات. وفات مصادر نيابية أن جنبلاط لم يكن على علم بأي من تحركات المعارضة الأخيرة ولا بتوجهها لإسقاط الحكومة على رغم علاقته مع عدد من قادتها، لا سيما بري و «حزب الله» وفوجئ بها. وبالعودة إلى الاتصالات الخارجية أعلن رئيس الوزراء التركي قبل انتقاله إلى دمشق قبل ظهر أمس أن بلاده ستشارك في مجموعة الاتصال التي اقترحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أجل أن تبذل جهوداً في مساعدة لبنان على تجاوز أزمته. وأوضحت مصادر مطلعة على موقف الحريري في ما يخص الاقتراح الفرنسي أنه إضافة إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال كان أبلغ الجانب الفرنسي، إصراره على أن تكون فرنسا في عداد هذه المجموعة، أنه لن يكون هو في عداد هذه المجموعة، إذا لم تكن سورية في عدادها. إلى ذلك شدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أبو ظبي حيث يقوم بزيارة عمل على أن «العملية القضائية المستقلة» للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان «ينبغي ألا يتم ربطها مع أي نقاش سياسي»، مؤكداً أن «من المهم عدم إطلاق الحكم المسبق على نتيجة التحقيق». وقال الناطق باسم بان إنه «مستمر في مراقبة التطورات في لبنان عن كثب» وأنه «يكرر دعمه القوي للعمل المستقل للمحكمة». وأضاف الناطق أن بان «واضح تماماً في إيمانه بنزاهة المحكمة والعاملين فيها».