أذاقتها الحياة صنوف العذاب، فلم ترحم جسمها النحيل ولم تتوانَ عن قتل مستقبل ما زال في بدايته. غادر والدها الحياة فتفرق شمل أسرتها، ففضلت والدتها الزواج على تربيتها، فعرفت الذل والهوان على يد أشقائها، فالقرب منهم سجن والبعد عنهم ضياع. باختصار هي فتاة عشرينية في مواجهة أسوأ ما لدى الحياة. جلست الشابة «حياة» في ركن بعيد في أحد ممرات وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن استنزفت طاقتها في الذهاب والإياب لإثبات طلاقها، بعد أن فقدت «صك الطلاق»، التي تصر «الشؤون الاجتماعية» على وجوده لصرف مساعدة لها، وحتى الآن ما زال التواصل مع القاضي الذي أصدر الصك مستمراً لإثبات الصك. ولم تنفك الشابة السعودية المحطمة (20 عاماً)، تواصل رحلة البحث والمراجعة بين جدةوالدمام، ولا تزال تزحف في الحياة ببطء، ومع ذلك تأتي الظروف القاسية لتعرقل طريقها وتعوق مسيرتها وتجبرها على البدء من جديد، ولكن هيهات في هذا الزمن القاسي. تقول حياة ل«الحياة»: «للتو بلغت العشرين من عمري، وقد توفي والدي وأنا صغيرة بعدها تزوجت أمي ولم يرغب زوجها في بقائي معه، بينما تخلى عني أشقائي وتركوني أواجه رياح الظروف وعواصف الزمن وحدي بلا معين سوى الله سبحانه وتعالى». وتضيف: «أجبرتني الظروف على الزواج من رجل لم أستطع التعايش معه حتى تم انفصالي فعدت مره أخرى إلى أشقائي الذي تركوني في بيت وحدي، ليس هذا وحسب، بل منعوني حتى من الذهاب لشراء حاجاتي اليومية من مأكل وملبس»، موضحة أنها انتقلت مكرهة لتعيش مع ابن شقيقتها حياة بائسة يحاصرها العوز والذل. وتستطرد: «زوج أمي يرفض أن أعيش معهم، وذات مرة سمعت أن والدتي مرضت وأجرت جراحة، فذهبت إليها في الدمام، فضربني أشقائي وجروني إلى الشرطة لأني خرجت وسافرت بلا إذن»، لافتة إلى أنها عادت إلى جدة وهي عازمة على إكمال تعليمها والتغلب على القهر والحرمان، «أدرس حالياً في المرحلة الثانوية القسم العلمي بنظام المنازل، وحين أتوجه إلى المدرسة للاستماع إلى المواد التطبيقية كالكيمياء ترفض المعلمة حضوري فأعود أدراجي وأنا أغالب اليأس وأحاول فهم الدرس وحدي». وتتمنى حياة من المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية وفاعلي الخير العمل على مساعدتها حتى تعيش حياة كريمة تحفظ لها كرامتها، «أريد أن أسكن في مكان لا يهدد بقائي فيه أحد، وأطمح أن أكمل تعليمي فقد آلمتني الحياة بما يكفي وجل تفكيري هو أن أتعلم وأجد الجو المناسب لصنع مستقبلي، وحتى ذلك الحين لا أستغني عن أهل الخير».