لم يعد «كتاب المعاريض» المنتشرون على الارصفة المجاورة للمحكمة العامة في محافظة جدة مجرد «كتاب» بل إن خبراتهم التراكمية التي تمتد ألى أكثر من 12 عام جعلتهم مطلعين على الكثير من الأسرار الإدارية التي يقدمونها للمراجعين قبل التوجه إلى أي إدارة، من خلال تنويرهم وإبلاغهم بالإجراءات التي لا بد من اتباعها. وأسهمت تلك الخبرات لدى «كتاب المعاريض» في تخفيف الضغوطات على الكثير من الجهات القضائية والحقوقية الأخرى، إذ يوجه «الكتاب» صاحب الشكوى إلى الجهة التي ينبغي أن يذهب إليها بشكواه قبل تضييع وقته، خصوصاً أن البعض يجهل تخصصات الجهات القضائية في جدة. كما وثقت تلك الخبرات من العلاقة بين «كتاب المعاريض» والمحامين السعوديين، خصوصاً الذين أمام المحكمة العامة، حيث يرتبطون معهم بعلاقات أخوية، وخبرة وعمولة مادية واستشارة مجانية يطرحها البعض ممن يرسلهم «الكتاب». من جهتها، التقت «الحياة» عدداً من «كتاب المعاريض» الذين يتواجدون بجوار المحكمة العامة بجدة، وتحدث عمر المرواني عن خبرته التي اكتسبها في هذه المهنة والتي تصل إلى عشرة أعوام، مشيراً إلى أن دخله الشهري من مزاولته لها يصل إلى ثلاثة آلاف ريال. وقال إن العلاقة التاريخية القديمة جعلتهم يستمرون في البقاء والاستمرار بجانب الإدارات الحكومية على رغم ما تشهده هذه المرافق والقطاعات من تطور سريع وانتقال وتغيير مواقع ومبان حديثة من عام لآخر، مشيراً إلى أنهم من ممارستهم الطويلة في هذا المجال مكنتهم من معايشة عدد من الإدارات الحكومية التي انتقلت من العمل بالأسلوب والنمط التقليدي واليدوي إلى استخدام أجهزة الحاسب الآلي وبرامجه. وأضاف أن دخول التقنية المتطورة إلى تلك الجهات لم يغير منهم في طريقة التعامل مع المراجعين الراغبين في الحصول على معروض لشكوى يقدمها إلى المحكمة أو أي جهة أخرى، موضحاً أنهم يبدأون عملهم صباحاً قبل بدء العمل في الجهات الحكومية. وأوضح المرواني أن ممارسته لمهنة «كتابة المعاريض» تعتمد على الخبرة، مشيراً إلى أن مهنتهم تشبه مهنة المحامي حيث تمنح المراجعين بعض المعلومات التي قد تفيدهم في قضاياهم مثل طلبات الزواج ولوائح الادعاء والاسترحام وغيرها من الأمور الأخرى. ولفت إلى أن أجورهم التي يتقاضونها أقل بكثير من المحامين، خصوصاً في استشارات أحيانا تكون بسيطة، مشيراً إلى أن هناك تعاوناً مع بعض المحامين من حيث تبادل القضايا، إذ إن قضية بعض المراجعين تحتاج إلى «محام» ويتم إرساله إلى مكتب المحاماة للحصول على استشارة أو كتابة لائحة، في حين أن بعض المراجعين لمكاتب المحاماة لا يحتاجون سوى «معروض» فقط حيث يقوم المحامي بإرساله إلى «كتاب المعاريض» خصوصاً وأن كلفتها لا تتجاوز ال30 ريالاً. من جهته، أوضح فلاح البلادي والذي يحمل الشهادة الثانوية أنه يعمل في مجال «كتابة المعاريض» منذ خمس سنوات بعد أن فصل من وظيفته التي كان يعمل بها وهي «علاقات عامة» لمدة 12عاماً في إحدى الشركات التي أغلقت، مشيراً إلى أنه لم يستطع الحصول على «وظيفة» سوى العمل في «كتابة المعاريض» لسد حاجاته اليومية. واعتبر البلادي «وظيفته» وسيلة كسب عيش يمكنه من خلالها تقديم الخدمة لمراجعي الدوائر الحكومية، إضافة إلى تقديم النصح خصوصاً إن كانت المعاملة غير مكتملة أو ناقصة غير مستوفية للشروط حتى لا يضيع وقت المراجع وجهده، مشيراً إلى أن كل هذه الخدمات لا تتجاوز أتعابها ال20 ريالاً. وأكد أن عملهم فيه «إنسانية» خصوصاً أن هناك بعض النساء ممن لا تسعفهن ظروفهن المادية أو ليست لديهن معرفة ببعض الأمور الخاصة بالإجراءات والشكاوى في قضايا المرأة.