على مساحة 500 متر مربع، وبمنارة ترتفع 23 متراً، ينتصب مسجد الجن في منطقة الحجون أعلى مكةالمكرمة، مطلاً على أحيائها وبيت الله الحرام، أقدس بقعة لدى المسلمين، شاهداً على ما يروى عن بيعة الجن للنبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم. وتروي تفاسير أن الآية الكريمة «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً» نزلت بعدما التقى الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً بجن قدموا من نصيبين (الموصل)، وتلا عليهم آيات من القرآن الكريم، وبايعوه بالقرب من المكان الذي خط للصحابي عبدالله بن مسعود، فسمي بمسجد البيعة، ويقع بالقرب من مقبرة المعلاة في حي الغزة أحد أقدم الأحياء القريبة من المسجد الحرام، ويبعد عنه 3 آلاف متر. وقال عنه أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى الدكتور فواز الدهاس إنه من المساجد التي حظيت بحظ وافر لارتباطها برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، إذ يروى أن نفراً من أصحاب الرسول افتقدوه يوماً، وبينما هم يبحثون عنه فإذا هو مقبل جهة المعلاة، فسألوه عن غيبته تلك، فقال لهم فيما معناه «كنت أفقه إخوانكم من الجن». وذكر الدهاس أن أهل مكةالمكرمة كانوا قديماً يسمونه «مسجد الحرس»، لأن العسس كانوا يجتمعون عنده ليلاً، مضيفاً أن «صاحب الحرس كان يطوف في مكة حتى إذا انتهى إليه وقف عنده ولم يجزه حتى يتوافى عنده عرفاؤه وحرسه يأتونه من شعب بني عامر ومن ثنية المدنيين، فإذا توافوا عنده رجع منحدراً إلى مكة». وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان قادماً من الطائف إلى مكة ذات ليلة، نزل في وادي نخلة، وهو وادٍ ما بين البلدين، وفي الليل الدامس، وليس معه رفيق إلا الله تعالى توضأ وقام يصلي، ورفع صوته بالقرآن، يستأنس به في وحشته، وفي سفره. وجاء إلى الوادي جن نصيبين من اليمن في تلك الليلة، واللحظة، حتى ملؤوا وادي نخلة يستمعون القرآن، فأخذ صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بكلام الله عز وجل: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً». وكان من أدبهم أن كان سيدهم يسكتهم، ليسمعوا القرآن، ويقول لهم: «أنصتوا» فكانوا ينصتون. المسجد التاريخي بني في أوائل القرن الثالث الهجري، وتم إعادة بنائه مرات عدة في عصور المسلمين المختلفة، وكان آخر عهد له في التجديد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، عام 1421ه، ويلاحظ الزائر في أيامنا هذه أن المسجد فيه من الآثار التاريخية الجميلة ما لا يمحى ولا يطغى على الجمال العمراني والتطورات الجميلة التي تمت إضافتها إلى المسجد.