تنتشر في مكةالمكرمة مواقع خلدت تاريخ السيرة النبوية العطرة، فأصبحت كالجواهر النفيسة تتلألأ بنور الهدى المحمدي، وباتت شاهد عيان يقصده كل مسلم يشرفه الله بزيارة قبلة الدنيا، ومن تلك المواقع مسجد الجن التاريخي، الذي يسميه أهل مكة في وقت سابق بمسجد الحرس، وسمي بذلك؛ لأن صاحب الحرس (الحارس الليلي) كان يطوف بمكة، حتى إذا انتهى إليه ووقف عنده ولم يجزه إلى أن يوافيه عنده عرفاؤه وحرسه من شعب بني عامر ومن المدنيين، فإذا توافوا عنده رجع منحدرا إلى مكة، ومحله معروف الآن على شارع المسجد الحرام وعلى بعد أمتار قليلة من التوسعة الشمالية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، شرق مقبرة المعلاة في مكةالمكرمة، وفي عين المكان نفسه تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الجن. ويعتبر المسجد (الذي يعرف بمسجد الحرس) من المساجد التاريخية القديمة المعروفة في أم القرى، وفيه موضع الخط الذي اختطه الرسول عليه الصلاة والسلام لابن مسعود ليلة استمع إليه الجن، وفي هذا الموضع قرأ رسول الله على الجن ربعا من القرآن، وفيه نزلت سورة الجن. وجاء في كتاب «معارف القرآن» أن الشيخ محمد تقي المصباح قال: «تحدثت الروايات عن كيفية اهتداء الجن إلى مكان النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كيفية سماعهم للقرآن وإيمانهم به، فهناك مسجد في مكة على قرب من مقبرة أبي طالب يسمى مسجد الجن، وهو المكان الذي التقى فيه الجن بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأسلموا على يديه، كما جاء في قول الله سبحانه وتعالى: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا، وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا، وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا)، فلما وصلوا إلى هذا قالوا: (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا). وعن ابن مسعود أنه قال ذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم: «حين خرجنا من مكة، حتى إذا كنا ببعض أودية مكة، قال الرسول: «أتدرون من هؤلاء، قلت لا والله، قال صلى الله عليه وسلم: هؤلاء جن نصيبين أو الموصل، جاؤوا إلى الإسلام فأسلموا». يشار إلى أنه تم تجديد بناء مسجد الجن أكثر من مرة عبر العصور الإسلامية، فيما آخر تجديد له في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله عام 1421ه، تبلغ مساحته الكلية حوالى 500 متر مربع، وتكسوه حجار الرخام الجرانيت الملون، به منارة بارتفاع 23 مترا.