فوق تربةدمشقية ينهض الورد من كبوة الحرب ويقارع في معركة استعادة اللون والسيطرة عليها بعدما سرقته لصالح أحمر الدم. وتبدو سفوح دمشق قد انتصرت في رفع ورودها وهزيمة البنادق لتعود زراعة الوردة الشامية إلى سابق عطرها. ويرتبط الورد الدمشقي بحقبة مضت من تاريخ الرومانسية السورية كان يزين فيه سفح جبل القلمون الممتد إلى شمال العاصمة دمشق. وتستأنف زراعة الوردة، الثنائية الزهر، في موطنها الأصلي بعد أربع سنوات من الحرب في قرية مراح عاصمة إنتاج الورد الدمشقي. وأثر القتال الدائر في سورية على كل جوانب الحياة وكان له تأثير سلبي كبير في إنتاج الورد الدمشقي إذ لم يستطع المزارعون زيارة حقولهم لأربع سنوات متتالية. لكن المزارعين استأنفوا أعمالهم في العام الماضي عندما سيطر الجيش السوري وحلفاؤه على منطقة القلمون. ويقول أمين حمزة أحد مزارعي الورد إن المساحة المزروعة بالورد الدمشقي وصلت إلى 3000 دونم (حوالى 715 فدان) في سنوات ما بعد 2007. ولكن خلال الأزمة السورية سيطر المسلحون على غرب وشمال قرية مراح ما أدى إلى حرمان المزارعين من متابعة أراضيهم وكان المناخ جافاً فتصحرت بعض الحقول نتيجة ذلك. أما اليوم فهناك فقط 2500 دونم (حوالى 600 فدان) من الأراضي المزروعة بالورد. كان الورد يملأ دمشق، إحدى أقدم المدن في العالم. فهي مسورة بحدائق الغوطة التي تلفها وتزين مداخلها. وقد تعرضت لقصف عنيف من قبل قوات الاحتلال الفرنسي عندما اندلعت الثورة السورية الكبرى في عشرينات القرن الماضي. وقال رئيس جمعية "مراح" لتطوير زراعة الورد الدمشقي مدين بيطار: "بغض النظر عن الحرب فإن الطلب على ماء الورد والزيوت المستخرجة منه ما زال مرتفعاً وما زال يُصَدَر إلى دول عدة. ولكن تبقى مصاعب متعلقة بالشحن والجمارك". وأضاف بيطار: "صدَّرنا إلى ليبيا ماء الورد ومستحضرات الورد الدمشقي (كريمات). عملية النقل صعبة ولكن ما زلنا مستمرين بالتصدير. هناك أيضاً طلبات من دولة الإمارات العربية وتواجهنا صعوبات في النقل والجمارك". وفي قرون مضت احتل الصليبيون جزءاً من بلاد الشرق واستقدموا الورد الدمشقي إلى أوروبا. وفي قصيدته الشهيرة "الوضوء بماء العشق والياسمين" يبوح نزار قباني أحد أشهر الشعراء السوريين والعرب بعشقه لدمشق ووردها قائلاً: "أتوضأ بماء الوردة مرة.. وبماء العشق مرات.. وأنسى وأنا في سوق العطارين جميع مستحضرات نينا ريتشي وكوكو شانيل.. جئتكم.. من تاريخ الوردة الدمشقية التي تختصر تاريخ العطر.. ومن ذاكرة المتنبي التي تختصر تاريخ الشعر.. جئتكم.. من أزهار النارنج والأضاليا والنرجس". وتوفي قباني العام 1998 وعاد إلى معشوقته دمشق ليوارى الثرى فيها قبل أن يرى ورد بلاده وقد التهمته نيران الحرب.