إن بتر الجنوب عن السودان وعن الوطن العربي، ليس سوى الخطوة الأولى في المشروع الأميركي - الصهيوني الجاري على قدم وساق لإعادة تفتيت الدول العربية من المحيط الى الخليج. وهو مشروع ثابت في كل وثائقهم المعلنة والمحجوبة. وأولها الرسائل المتبادلة بين بن غوريون وموشي شاريت عام 1954، الداعية الى إقامة دويلة مارونية في لبنان في اتجاه السعي لتقسيمه دويلات طائفية عدة على النمط الصهيوني (...). وفي عام 1982 نشرت مجلة «كيفونيم»، لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية، دراسة بعنوان «استراتيجية إسرائيل في الثمانينات، نشرتها تحت عنوان «الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة»، ورد فيه: «ضرورة إعادة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات أكثر بكثير من تلك التي صنعتها سايكس بيكو، والتي لم تراع الفوارق والتناقضات الطائفية والمذهبية المتعددة القائمة في هذا العالم الورقي الهش». وطرحت الوثيقة تصورات محددة عن أهدافها في كل قطر: فمصر يجب تقسيمها الى دولتين قبطية وإسلامية أو أكثر، والعراق إلى ثلاث دويلات: كردية وشيعية وسنية. والسودان إلى أربع دويلات: عربية سنية وأفريقية ووثنية ومسيحية، وهكذا... وتأكدت هذه الاستراتيجية في محاضرة حديثة لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر ألقاها في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي (أيلول/ سبتمبر 2008)، حين تطرق إلى السودان مشيراً إلى أنه: لا يجب السماح للسودان أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي، ولا بد من العمل على إضعافه وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة، فسودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان قوي وموحد وفاعل، وهو ما يمثل من المنظور الاستراتيجي ضرورة من ضرورات الأمن القومي الإسرائيلي. وقد تبنى قادة إسرائيل من بن غوريون وليفي أشكول وغولدا مائير واسحاق رابين ومناحم بيغين واسحاق شامير وارييل شارون وايهود أولمرت خطاً استراتيجياً واحداً في التعامل مع السودان هو: العمل على تفجير أزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب ثم دارفور. وحان الوقت للتدخل في غرب السودان وبالآلية والوسائل ذاتها لتكرار ما فعلته إسرائيل في جنوبه، وان الدور الأميركي في دارفور يساهم في تفعيل مثيله الإسرائيلي، وأن أميركا مصرة على التدخل المكثف في السودان لصالح انفصال الجنوب وانفصال دارفور على غرار ما حدث في كوسوفو. وقد نجحت تل أبيب بالفعل في تغيير مجرى الأوضاع في السودان، في اتجاه التأزم والتدهور والانقسام، وهو ما سينتهي عاجلاً أم آجلاً إلى تقسيمه إلى كيانات ودول عدة على غرار يوغوسلافيا. وبذلك لن يعود السودان دولة إقليمية كبرى قادرة على دعم البلدان العربية المواجهة لإسرائيل (...).