على مدى أربع سنوات كان الغذاء والوقود والدواء يمر عبر جبهات القتال إلى ريف دمشق الشرقي المحاصر من خلال شبكة أنفاق، لكن سكاناً قالوا إن هجوماً للجيش النظامي قرب العاصمة أغلق الطرق المؤدية إلى جيب المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية مما أدى إلى تضاؤل الإمدادات وارتفاع صاروخي في الأسعار. وقال عدنان (30 سنة) وهو رئيس جماعة إغاثة محلية توزع الغذاء: «ارتفعت أسعار المحروقات في شكل جنوني». ويبلغ ثمن أسطوانة غاز الطهي الآن 50 ألف ليرة سورية وهو ما يزيد أربع مرات على سعرها قبل الهجوم وبنحو 20 مرة على سعرها الرسمي في دمشق. وتشتري جماعة عدنان الإغاثية الرز والعدس والسلع الأخرى التي تصل عبر الأنفاق. وقال عدنان إن الشعور باليأس في المنطقة يزداد بسبب إغلاق الأنفاق وارتفاع الأسعار. وفي حين يضيق الجيش الخناق على المنطقة يستعد المقاتلون والمدنيون لهجوم شامل ونقص مرير في الإمدادات قد يستمر إلى ما بعد حلول فصل الشتاء. وقال حمزة بيرقدار الناطق باسم هيئة أركان «جيش الإسلام» المعارضة: «هذه الحملة تهدف إلى تضييق الخناق على الغوطة... بإغلاق المعابر والأنفاق في شكل كامل». وأضاف: «حركة الأنفاق توقفت تماماً». ومنذ عام 2013 تحاصر قوات النظام الغوطة الشرقية، وهي جيب من البلدات والمزارع كثيفة السكان. ولا تزال الغوطة الشرقية المعقل الرئيسي الوحيد للمعارضة المسلحة قرب دمشق على رغم تقلصه إلى نحو النصف خلال العام المنصرم. وألحقت القوات النظامية هزائم متتالية بالمعارضة في الجيوب القريبة من العاصمة بمساعدة الضربات الجوية الروسية ومقاتلين مدعومين من إيران. وتهدف في نهاية المطاف إلى انتزاع السيطرة على الغوطة وإرغام المسلحين على الاختيار بين قبول سلطة الدولة أو المغادرة إلى مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة بالشمال على غرار ما حدث بموجب اتفاقات إخلاء ساعدت الحكومة على تشديد قبضتها على المراكز الحضرية الرئيسية في سورية. هز القتال العنيف والضربات الجوية الأحياء الواقعة بين دمشق والغوطة الشرقية مما أدى إلى قطع طرق التهريب التي تمثل شريان حياة لنحو 300 ألف شخص في المناطق المحاصرة. وزادت وطأة هجوم الجيش النظامي في الأشهر الأخيرة في حي برزة وحي القابون على المشارف الشرقية للعاصمة مما وضع نهاية مفاجئة لهدنة محلية مع المعارضة المسلحة كانت قائمة هناك منذ 2014. وهدوء الحيين النسبي وموقعهما جعل منهما نقطة عبور حيث جلب التجار الإمدادات من العاصمة ونقلوها عبر الأنفاق إلى جيب المعارضة. ودخلت قوات الحكومة الآن معظم أجزاء الحيين. وقال ناشط هرب دواء عبر أحد الأنفاق، إن الحصار وفر المناخ لظهور اقتصاد سوق سوداء ومنتفعين يتاجرون على خطوط القتال. وقال الناشط وسكان آخرون إن أسعار السلع ارتفعت بفعل دفع أموال عند نقاط التفتيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وللمعارضة المسلحة التي تسيطر على الأنفاق. ولم يتسن الاتصال بمسؤولين سوريين للتعليق. وتقول وسائل الإعلام الحكومية إن مسلحي الغوطة يحفرون أنفاقاً بامتداد مئات الأمتار لنقل الأسلحة ونصب مكامن للجيش. وقالت إن الأنفاق كانت هدفاً لعمليات نفذها الجيش وإنه نسف عدداً منها في الأشهر الأخيرة. وباتت المعارضة، بفصائلها المختلفة التي تضم جهاديين وجماعات أخرى تدعمها تركيا والولايات المتحدة ودول أخرى، في موقف دفاعي في مختلف أنحاء سورية. وفي الغوطة الشرقية، ربما تستفيد دمشق من تجدد الاقتتال بين فصائل المعارضة بعد أن باء هجوم لمقاتلي المعارضة على مشارف دمشق بالفشل سريعاً في آذار (مارس). وقال بيرقدار إن مقاتلي المعارضة يواجهون «قصفاً مكثفاً وقصفاً بالطيران ودخول مدرعات ودبابات» كل يوم. وتابع: «لا بد من التجهيز لكل السيناريوات التي من المحتمل القيام بها على أرض المعركة». وأضاف: «نحن على استعداد تام للتفاوض على وقف حمام الدم الذي يمارسه النظام... ولكن لا يمكن القبول بأي مفاوضات تؤدي إلى الاستسلام». واستبعد التوصل لاتفاق إخلاء محلي. وتقول دمشق إن مثل هذه الاتفاقات تنجح في ما أخفقت فيه محادثات السلام التي ترعاها الأممالمتحدة. وتصف المعارضة الأمر بأنه استراتيجية للتهجير القسري بعد سنوات من الحصار وهو أسلوب في الحرب تدينه الأممالمتحدة وتقول إنه جريمة حرب. عندما يأتي الشتاء حذرت الأممالمتحدة من مجاعة وشيكة ما لم تصل المساعدات إلى الغوطة الشرقية حيث تعطل إرسال المساعدة الدولية طويلاً. وحملت قافلة دخلت الأسبوع الماضي للمرة الأولى منذ شهور الغذاء والإمدادات لنحو عشرة في المئة من السكان فحسب. وقال عدنان رئيس جماعة الإغاثة المحلية: «الناس صارت تهجم على الأسواق لتخزن بالبيت... لأنه في إلها (عندها) تجربة مريرة في 2013» عندما تعرضت بلداتهم للحصار للمرة الأولى. وفي داخل الغوطة، قال عدنان إن التجار جمعوا في مخازن كبيرة إمدادات قد تكفيهم شهوراً في حين سيجني السكان محاصيلهم في ما تبقى من أرض زراعية بالمنطقة في الصيف. وأضاف: «الوضع حيسوء لما راح يدخل فصل الشتاء». وقال عدنان وآخرون إن معبر الوافدين في ريف دمشق، حيث كانت نقاط التفتيش تسمح بدخول الغذاء، مغلق أيضاً منذ شباط (فبراير). وذكر أحد السكان أن مقاتلي المعارضة يستخدمون طرقهم الخفية ويتحركون أو يهربون الأسلحة من خلالها من دون أن يراهم أحد. وقال أبو إبراهيم بكر وهو جراح في الغوطة الشرقية، إن المسعفين يعتمدون على الأنفاق للحصول على المضادات الحيوية ومواد التخدير وغيرها من الإمدادات. وأضاف أن المستشفيات ستصمد لكن ليس لفترة طويلة.