«في حضرة الحيوان»، هو عنوان التجربة الجديدة للفنان المصري عادل السيوي التي تستضيفها حالياً قاعة مشربية في القاهرة. في هذه التجربة يتطلع السيوي إلى صورة الحيوان بعين متأمل يلتهم الوجود ليعيد صوغه من جديد، مشيراً إلى ما خفي، أو موقظاً علاقتنا الحميمة والبدائية بذلك العالم المثير والمدهش، عالم الحيوان. الحيوان كرفيق لنا في هذه الأرض، والذي قد نهمّش وجوده أو نحاصر حركته ونجور على فضائه الرحب، غير أن حضوره في وعينا التاريخي والآني يبدو مثيراً وطاغياً، من التقديس إلى الرمز إلى تسخيره في خدمة احتياجاتنا النهمة. يقف الحيوان بموازاة البشر، يشبهنا في كثير من الأحيان، تتقاطع صفاته مع صفاتنا، يثير فضولنا، يدهشنا، تراوح نظرتنا له بين الولوج في العمق إلى المبالغة في التسطيح والتهميش، غير أن وجوده يظل طاغياً ومؤثراً سواء أدركنا أو لم ندرك. في تجربته التصويرية غالباً ما كان ينحاز السيوي إلى العنصر البشري، الإنسان ذلك الكائن التائه في الكون اللامحدود. أما فضاء اللوحة فهو في كثير من الأحيان متسع وحيادي، مع إشارات وشواهد وعلامات صريحة أو مبهمة أحياناً. حتى ذلك اللون الذهبي الذي يحيط بالعناصر هو أشبه بلون التوابيت والمومياوات المخبوءة في عتمة المقابر. يراوح السيوي في أعماله ما بين التشخيص والتجريد، وإن كان أكثر ميلاً وحسماً إلى التشخيص منه إلى التجريد في وضوح عناصره ورموزه وميله إلى السرد البصري، فاللوحة لديه لها بداية وذروة تتصاعد في اتجاهها، غير أنها تخلو في الغالب من هذه النهاية المنتظرة. المساحة عنده مفتوحة على مصراعيها لكل الاحتمالات، وتبدو اللوحة بكل تفاصيلها أشبه بساحة حوار بينها وبين المتأمل الذي هو في الحقيقة جزء لا يتجزأ من فصول حكاية لا تنتهي. لوحة عادل السيوي لا بد لها دائماً من حكاية وجوهر، محتوى يطفو إلى السطح ويتجه إلى المتلقي مباشرة. وغالباً ما يلجأ السيوي في أعماله إلى دراسة وافية، يحاول فيها استحضار كل الجوانب المتعلقة بالثيمة أو الموضوع بطل التجربة، مستغرقاً في تداعياتها ومتأملاً لانعكاساتها المختلفة، تاريخياً واجتماعياً وإنسانياً وذاتياً. في تجربته الجديدة «في حضرة الحيوان» يتجاوز السيوي في تناوله هذه الكائنات دور المتأمل أو الراصد لوجودها، إلى شغف حقيقي وواضح بحضورها وتجلياتها المختلفة. يصحب المعرض إصدار كتاب يحوي صوراً للأعمال المعروضة، والتي تزيد على 270 عملاً مختلفة المقاسات وموزعة على ثلاث مساحات للعرض قريبة من بعضها في وسط القاهرة حيث يعيش ويعمل الفنان ويختلط بناس المدينة وحيواتها، يعايشها في لحظات حماستها وإحباطها. هو يقول في تقديمه للكتاب إن تجربته «في حضرة الحيوان»، والتي امتدت نحو ست سنوات قد حمته «من الدوران في متاهات الوقائع المتلاحقة، ومن سرعة ظهور واختفاء وتبدل الوجوه، ومن التجاذب المهلك وتبديل المواقف، ومن موجات الحماسة واليأس المتعاقبة، التي دهمت بلادنا في السنوات الأخيرة». يحتفي المعرض بذلك الحضور المتأرجح بين الوضوح الصريح، والضبابي الغائم للحيوان، من تأمل حركاته وخلجاته، إلى استكشاف نقاط التقاطع والتواصل بينه وبين البشر كما في مجموعة «أيام الجدي»، أو لوحة «الرجل الفيل» و «الرجل الثعلب»، كما يستدعي الفنان أعمال فنانين آخرين، ويستلهم انعكاسات الحيوان في عالم الأدب، كما في لوحة إبراهيم أصلان، التي رسم فيها الأديب الراحل مع طائر البلشون. ولا يفوته أيضاً ذلك الحضور المرح للحيوان الذي يتجلى في أيقونات البشر المعاصرة كما في عمل «آخر معارك بطوط». وهو في تناوله الحيوان ينفي تفكيره فيه بصفته جسداً لا يخرج من حدوده، ولا في كونه تألق الحياة الأول الحر، ولا في علاقته الوثيقة بالطبيعة، أو بصفته معلماً أو رمزاً أو دلالة، فالحيوان كان في الحقيقة يوسع فضولي كما يقول تجاه السؤال الوحيد الذي يهمه، وهو الحياة نفسها. «الحيوان: هذا الكائن القريب البعيد، الذي لا يبتسم، قادر على إضحاكي دائماً، يضحكني عندما يبالغ في الإعلان عن حضوره، ويضحكني عندما يتطرف في انشغاله بنفسه، أنه الثابت المصر على ثباته بعناد، ولا يأبه بالمتغيرات، والذي تتعارض دوافعه وأفعاله دائماً مع طبيعة اللحظة أو المكان، ولا ينشغل بذلك أبداً. وهكذا وبمنتهى التلقائية يتحول الحيوان أحياناً إلى كوميديان لا مثيل له». يضم الكتاب خلافاً للتقديم الذي كتبه عادل السيوي ومنسقة المعرض استيفانيا أنجرانو، مديرة قاعة مشربية، نصاً للكاتب والقاص محمد المخزنجي حول انطباعه عن تجربة عادل السيوي الجديدة التي تتناغم تماماً كما يقول مع شغفه بهذا العالم، وربما تتقاطع بعض جوانبها أيضاً مع كتابه الأخير «حيوانات أيامنا». ويضم الكتاب مقتطفات من نصوص لآخرين شغفوا بعالم الحيوان كالقزويني والجاحظ وفريد الدين العطار وإخوان الصفا، وكُّتاب غربيين. الفنان عادل السيوي من مواليد مدينة البحيرة المصرية، درس الفن في شكل حر في كلية الفنون الجميلة بعد تخرجه في كلية الطب، لكنه سرعان ما تخلّى عن ممارسة الطب ليتفرغ نهائياً للفن. ومن ثم سافر إلى إيطاليا عام 1980 واستقر هناك في مدينة ميلانو الإيطالية لمدة عشر سنوات ليعود بعدها للاستقرار مرة أخرى في القاهرة حيث يعيش ويعمل حالياً.