حكاية البشر مرتسمة على الوجوه، ومخفية بين حروف الكتابة على جدران المعابد القديمة، متوارية في لفائف الكتان التي تحيط بالمومياوات. نقرأ تفاصيلها في وجوه عشتار وإيزيس وفينوس والموناليزا، وفي رموز الكتابة الصينية، وعلامات الوجه لدى سكان أميركا الأصليين، كما نلمحها في علامات الوشم وأقنعة حضارة المايا وفي رسوم الكهوف. هذه الحكاية التي لا تنتهي مرتسمة كذلك في ملامح «زوبة»، تلك البنت التائهة في زحمة القاهرة التي تطل على العالم بعيون حائرة مترقبة، كجزء من تفاصيل الحكاية الممتدة التي يرويها الفنان التشكيلي المصري عادل السيوي عبر أعماله التي ضمها معرضه الجديد في قاعة «أفق واحد» في القاهرة تحت عنوان «حكايات». في هذه الأعمال يأخذنا السيوي إلى عالمه الخاص، ذلك العالم الممتلئ بالحكايات والأساطير، فهو يروي حكاية البشر ولهاثهم المستمر من أجل البقاء، ويقص عبر تفاصيل اللوحات أسطورة الوجود الإنساني المدهش. فالإنسان هنا هو البطل والعنصر الرئيس الذي تدور حوله اللوحات. فمن الوجه الذي أسرته تفاصيله سنوات عدة ها هو ذا يتسلل بفرشاته إلى الجسد في كل تضاريسه وإيحاءاته وقدرته على السرد البصري. اتسعت الرؤية أكثر وبدت لنا التفاصيل في رونقها واتساقها، بدا هذا الكائن البشري بكل معالمه وخلجات روحه متكشفاً أمامنا. رجال ونساء، يعبرون في لمح البصر على صفحة الذاكرة وسط زحام المدينة، وسط الأقارب والأصدقاء، في الشارع والمقهى، أو حتى من دهاليز التاريخ، ليستقروا في النهاية على تلك المساحة المرسومة، تحيطهم الدرجات الكابية والذهبية، مخترقة فضاءهم الشاسع العلامات والرموز. أما الحكاية فهي لا تنتهي، فكلما توغلت أكثر تتبدى لك الكثير من التفاصيل، وكلما شعرت أنك اقتربت من النهاية أدركت أنك لم تبدأ بعد. في لوحات السيوي تركيز واضح على العنصر البشري، الإنسان ذلك الكائن التائه في الكون اللامحدود. أما فضاء اللوحة فهو في كثير من الأحيان متسع وسرمدي، وثمة إشارات وشواهد مبهمة تشي بسر ما، وتفصح عن مكنون نجهله. حتى ذلك اللون الذهبي الذي يحيط بالعناصر هو أشبه بلون التوابيت والمومياوات المخبوءة في عتمة المقابر. وهو يراوح ما بين التشخيص والتجريد، وإن كان أكثر ميلاً وحسماً إلى جانب التشخيص منه إلى التجريد في وضوح عناصره ورموزه وميله إلى السرد البصري، فاللوحة لديه لها بداية وذروة تتصاعد في اتجاهها، غير أنها تخلو في الغالب من هذه النهاية المنتظرة. فالمساحة مفتوحة على مصراعيها لكل الاحتمالات، وتبدو اللوحة بكل تفاصيلها أشبه بساحة حوار في ما بينها وبين المتأمل الذي هو جزء لا يتجزأ من فصول هذه الحكاية. يقول السيوي: «أحاول على مدى ثلاثة أعوام أن أحكي حكاية تتكشف كلها في لمح البصر لتحيلنا بعد ذلك إلى غياب ما: وقائع وأبطال ولحظات وتفاصيل أخرى تخفيها عنا، ربما أعادتني هذه التفاصيل للسير في الطرق القديمة اليدوية وصوت الجماعة وتاريخ الأشكال على خشونتها، حتى الميل إلى الغناء. لا أدري، هل كنت أسعى للإفلات من فخ الأسلوب، أم أبحث عن جسور عاطفية ممكنة، تربط بين كل هذه الذكريات والمشاهد المتباعدة»؟ ويضيف: «غالبية اللوحات التي وقفت أمامها بإجلال كانت تحتوي في نهاية الأمر على حكايات، لوحات تشخص أماكن وكائنات وأشياء. أدهشتني مرات نادرة بعض الأعمال التجريدية بنفاذها وحسمها، إلا أن التجريد لم يهز قلبي بقوة كما تفعل الحكايات، ولم أنجح إلى الآن في التعامل مع القانون وحده، ولا مع أي جوهر أو عمق أو محتوى لا يريد أن يطفو إلى السطح ويتجه نحونا. أعتقد أن الرموز والعلامات والعبر التي تضمها الحكايات هي أفضل ما صنعناه معاً كبشر».