حولت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن المناظرة التلفزيونية بينها وبين منافسها مرشح الوسط ايمانويل ماكرون الى مواجهة صدامية حادة تخللها سيل من المهاترات غير المسبوقة في هذا النوع من المناظرات، ما أثار استغراب الكثيرين في الطبقة السياسية وفي أوساط الناخبين. ومنذ اللحظة الأولى للمناظرة التي استمرت نحو ساعتين ونصف الساعة، فتحت لوبن النار على ماكرون وألقت عليه مسؤولية الفشل الذي حكم أداء الرئيس الحالي فرانسوا هولاند، ووصفته مجدداً ب «مرشح العولمة الهوجاء» و «الابن المدلل للنظام»، في حين انها «مرشحة الشعب والأمة التي تحمي مواطنينا ووظائفنا». هذه الاستراتيجية العدائية التي اعتمدتها لوبن لإخفاء ضعف اطلاعها على ملفات عدة وفي مقدمها الملفات الاقتصادية، خيبت آمال كثيرين ترقبوا المناظرة التي أجريت قبل أربعة أيام على موعد انتخابات الرئاسة (الأحد المقبل) للحصول على إيضاحات حول مواقف المرشحين حول القضايا التي تمس معيشتهم ومستقبلهم. ولا شك في أن هذا المستوى من التهجم في مثل هذه المناظرة التي تتسم تقليدياً بأجواء من التحفظ واللياقة، فاجأ ماكرون وجعله يرد عليها بحدة: «أنت تقولين سخافات وليس لديك اطلاع على الملفات» و «أنت تحملين روح الهزيمة، فيما أمثّل التقدم والريادة». واتهم ماكرون لوبن مراراً بأنها «تكذب باستمرار» وهو ما ردت عليه باتهامه بأنه مدعوم من جانب «اتحاد المنظمات المسلمة الفرنسية» وانه مرشح الإسلاميين وأيضاً الشركات الكبرى وهو ما نفاه مرشح الوسط قائلاً إنها أكاذيب وإنه لا يعرف أياً من مسؤولي هذا الاتحاد. وبدت لوبن عاجزة عن توضيح موقفها من موضوع محوري في إطار حملتها، اذ طلب منها ماكرون ان توضح موقفها من اليورو، فقالت: «نعم أريد لفرنسا الخروج من اليورو والعودة الى العملة الوطنية الفرنك مع احتمال تعامل المصارف باليورو، على غرار ما كان قائماً قبل اعتماد العملة الأوروبية الموحدة». واضطر ماكرون لتوضيح هذا الموقف الخاطئ، فردّ قائلاً انه لم يكن هناك في أي يوم عملتان: واحدة لتعامل المصارف وأخرى للمواطنين، كما فصل ما يترتب من تدني في مستوى معيشة المواطنين في حال اعتماد عملتين. وعاودت لوبن هجماتها الشخصية على منافسها واتهمته بالانصياع لأوروبا، فما كان بوسعه إلا أن يجيبها بأن ما تقوله «ممتاز، لأنك تؤكدين للفرنسيين انه ليس لديك برنامج» و«تكتفين بالتهجم على ما هو قائم في غياب أي بديل من جانبك». وبالنسبة الى ملفات السياسة الخارجية، قالت لوبن إنها تريد التعامل مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين وكذلك مع الولاياتالمتحدة ورئيسها دونالد ترامب. وأكدت انها عازمة على أن يكون لها دور على رأس أوروبا الى جانب المستشارة الألمانية انغيلا مركل. وأشارت استطلاعات رأي أجريت بعد المناظرة الى أن 63 في المئة من المشاهدين الذين بلغ عددهم حوالى 16 مليون شخص وجدوا أن ماكرون كان أكثر إقناعاً. وأثار خطف لوبن المناظرة وفرض بصماتها عليها شجب الأوساط السياسية التي انتقدت تدني مستوى النقاش. وقال رئيس الحكومة السابق آلان جوبيه في هذا السياق إن «العديدين ينتقدون رداءة المناظرة» وإن المسؤولية «تقع على عاتق لوبن التي عملت طوال الوقت على خفض مستوى التبادل» في الرأي. وأجمعت الأوساط الإعلامية على القول إن المناظرة كانت بمثابة مواجهة، حتى البعض وصفها بإنها أشبه بعملية «تطاحن» و «شجار» نتيجة الحدة الفارغة التي أبدتها لوبن، فيما أظهر ماكرون اطلاعاً واضحاً على الملفات الاقتصادية، ما حمله على مخاطبة منافسته بلهجة الأستاذ الذي يتوجه الى تلميذة أمامه وأفشل محاولاتها المتكررة لتوتيره وحمله على فقدان أعصابه، مثلما حصل في مناظرة عام 2007 عندما فقدت المرشحة الاشتراكية للرئاسة سيغولين رويال أعصابها أمام الرئيس اليميني السابق نيقولا ساركوزي. وأشارت الاستطلاعات الى أن المناظرة لم تغير في رأي مناصري أي من المرشحين وانها لم تؤثر في العمق في المترددين والممتنعين عن التصويت وتقدر نسبتهم بنحو 40 في المئة من الناخبين. في المقابل، فإن كل الاستطلاعات تتوقع فوز ماكرون على لوبن ولكنها تتباين حول نسبة الأصوات التي سيحرزها وما اذا كانت ستفوق 60 في المئة أم لا.