اتخذت حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي يتنافس فيها مرشح الوسط ايمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، منحى المواجهة الضارية، وذلك قبل عشرة أيام على موعد الدورة الانتخابية الثانية في 7 أيار (مايو) المقبل. وبعد بداية رتيبة ومتعثرة، صعد ماكرون وتيرة حملته رداً على حملة هجومية عنيفة اعتمدتها لوبن غداة الدورة الانتخابية الأولى (في 23 الجاري)، ما دفعه الى قول «لن اترك لها أي رقعة» تتحرك فيها منفردة. وتعهد برد كل الضربات التي توجهها اليه منافسته على كل الأصعدة. أتى ذلك بعدما نجحت لوبن في اليومين الأولين اللذين اعقبا نتائج الدورة الأولى التي حل فيها منافسها في الطليعة، في احتلال الساحة إعلامياً، بنزولها الى الارض لتوزيع برنامجها على المارة في إحدى المناطق الفرنسية وتناقلت صورها وسائل الاعلام كافة، ثم أدلت بمقابلة تلفزيونية مسائية في حين أن ماكرون كان غائباً عن الشاشة وقيل انه كان منكباً على إجراء اتصالات مع مسؤولين أجانب. وذهبت لوبن أبعد من ذلك عند نزول ماكرون الى الأرض وزيارته مقر مصنع تابع لشركة «ويرلبول» مهدد بالإقفال، اذ توجهت للقاء عمال المصنع المضربين والتقاط الصور الى جانبهم، فيما كان ماكرون يعقد اجتماعاً مع ممثلي نقابات العمال في أحد المكاتب. وسجلت لوبن مرة أخرى نقطة لمصلحتها في إطار الاستراتيجية التي اعتمدتها للدورة الانتخابية الثانية ومفادها أنها مرشحة الشعب وقريبة منه ومن مشاكله في حين ان ماكرون «مرشح النخبة يلتقي عمال تم اختيارهم بعناية وراء ابواب مغلقة». هذا التحدي الواضح، حمل مرشح الوسط على التوجه الى مكان تواجد المضربين وتحذيرهم من «ديماغوجية» لوبن وبرنامجها القائم على الانغلاق وعلى عزل فرنسا عن محيطها الأوروبي والخارجي، وهو ما لا يمكن أن يؤدي الى دفع الاقتصاد وانعاش سوق العمل. كما أكد ماكرون أن لوبن تستغل أوضاعهم لتعزيز موقعها ولا تملك عملياً اي حل لمشكلتهم وانه قد لا يكون بوسعه الحؤول دون إغلاق مصنعهم، لكنه قادر على استغلال مقدرات فرنسا البشرية والتقنية لتحسين أوضاع عمالها. وتمكن ماكرون بذلك من تطويق الأضرار التي أرادت لوبن إحداثها على صعيد صورته وحملته، لكنه أدرك في الوقت ذاته أن عليه أن يلتصق بالناخبين خلال الأيام المتبقية من الحملة وعدم إفساح المجال أمام منافسته لتحقيق هدفها وحصد أصوات اولئك الذين لا صوت لهم اعتيادياً. وفي مؤشر على انه قرر تكييف حملته مع المعطيات التي املتها لوبن، تضمن برنامجه امس زيارة لأحدى الضواحي الفرنسية واطلالة اعلامية مسائية عبر القناة الأولى للتلفزيون، في حين تضمن برنامج لوبن جولة بحرية مع صيادي اسماك فرنسيين وهو ما يعد بحرب صور ستستمر بينهما حتى موعد الدورة الثانية. هذا التكييف بدا ضرورياً في ضوء استطلاع للرأي اشار الى تراجع شعبية ماكرون الى 59 في المئة اي نقتطين امام لوبن التي تحظى بنسبة 41 في المئة من التأييد.