فيما أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا عن انتقال مرشح حركة «إلى الأمام» إيمانويل ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبن، إلى المرحلة الثانية بعد فوزهما بأعلى الأصوات، يرى مراقبون أن خطوات ماكرون إلى قصر الإليزيه باتت أقرب من لوبن، نظرا للدعم الكبير الذي يحظى به داخل الأحزاب الفرنسية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، إلى جانب التقاليد الفرنسية التي تقضي بضرورة توحيد اليمين واليسار ضد اليمين المتطرف في الجولة الثانية. وبعد فرز نتائج الدورة الأولى للانتخابات، اتضح صحة استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الشهرين الماضيين، حيث توقعت تجاوز ماكرون ولوبن للمرحلة الأولى، رغم أن التوقعات كانت متأرجحة ومتفاوتة، بسبب الأحداث الإرهابية التي شهدتها بعض المدن الفرنسية مؤخرا، وآخرها حادثة الشانزلزيه، وتردد الناخب الفرنسي لاختيار الرئيس ال11 للجمهورية الفرنسية الخامسة. تغيرات ملحوظة تصدر ماكرون نتائج الدورة الأولى بنسبة 23.7%، فيما حصلت منافسته لوبن على نسبة 21.5% من أصوات الفرنسيين، فيما تكمن المفاجأة في تصدر مرشح شاب يبلغ من العمر 39 عاما، الذي دخل معترك الحياة السياسية قبل نحو عامين فقط، بعكس المرشحين الآخرين، إلى جانب أنه لا يحظى بدعم كبير من الأحزاب السياسية الأخرى. وفي المقابل، حققت زعيمة اليمين المتطرف لوبن، تقدما غير متوقع في الدورة الأولى، بعد حصولها على نحو 7 ملايين صوت، وهو الأمر الذي يشير إلى تغيير كبير في الهيكلة السياسية الفرنسية، وصعود نجم الأحزاب اليمينية الشعبوية، التي قد تؤثر على نتائج الانتخابات الأوروبية المقبلة. ودأب كل من مرشحي اليمين الجمهوري واليسار الاشتراكي على احتكار السلطة وكرسي الرئاسة في فرنسا منذ عقود، الأمر الذي وصفته الصحافة الفرنسية بالزلزال الجديد في المشهد السياسي العام الذي لم تشهده الجمهورية منذ قيامها عام 1958. جولة الحسم يستعد الفرنسيون للتصويت على المرشحَين الفائزين إلى الدورة الثانية، في 7 مايو المقبل، ولم يستبعد المراقبون أن تخلو من المفاجآت، وقد تحدث فوارق كبيرة خلال الأيام المقبلة. وتبقى حظوظ ماكرون أوفر للفوز على منافسته لوبن، طبقا للنتائج والحراك السياسي العام، حيث أعلن المرشحان الخاسران، هامون وفرانسوا فيون دعمهما له، بهدف اكتساح اليمين المتطرف وعرقلة صعوده إلى الواجهة. ولا يزال برنامج لوبن يثير مخاوف شريحة من الفرنسيين والساسة الأوروبيين، حيث إنها تصر على تنظيم استفتاء بعد فوزها في الرئاسيات، تمهيدا للخروج من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى موقفها المتشدد من الهجرة واللاجئين. كما ينتظر الفرنسيون، استحقاقا انتخابيا في يونيو القادم، من أجل اختيار أعضاء البرلمان الفرنسي، في وقت يعتبر الأخير أنه امتداد للانتخابات الرئاسية، وقد يفضي إلى تحولات جذرية. نتيجة كارثية بالنسبة للمرشحين المتبقين، فقد تسببت قضايا الفساد والفضائح في تراجع شعبيتهم عند الناخب الفرنسي، حيث حل مرشح اليمين الوسط، فرنسوا فيون، في المرتبة الرابعة بنسبة 19.6%، خلف جان لوك ميلنشون، الذي حصل على 19.9%، وتدنت شعبية فيون بصورة كبيرة بعد قضية الوظائف الوهمية، فيما جاء مرشح حزب الرئيس المنتهية ولايته، هولاند بونوا هامون في آخر القائمة بواقع 6.3%، وهي نتيجة وصفها بنفسه بأنها كارثية. وبحسب مراقبين، تسببت الأحداث الأمنية التي تعيشها البلاد، وارتفاع نسب البطالة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في تغيير المشهد السياسي الفرنسي بشكل كبير، حيث لم يعد يثق الشارع الفرنسي بوعود وخطابات السياسيين، إضافة إلى أنه يتهم المنظومة السياسية والأحزاب السياسية بالفشل، الأمر الذي دفع الناخب للبحث عن وجوه وتوجهات جديدة، عله يجد ضالته فيها.