فرحة وطن    البنتاجون: لا تغيير في الموقف العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بعد تفجيرات لبنان    إنذار للفيضانات في ألمانيا    الابتكار يُواكب مستهدفات رؤية الوطن    الاتحاد والهلال أولى رياح تحديد هوية البطل    القبض على 4 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (35) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    قيصرية الكتاب والتنفس الثقافي    «سناب» تكشف أدوات جديدة لتعزيز تجربة المستخدم والمجتمعات الإبداعية في قمة 2024    بيولي: لا يجب التركيز على الماضي بل النظر للمستقبل    باهبري يواجه الشباب بقميص «السكري»    «الأمن البيئي» تقبض على مخالف لارتكابه مخالفة الصيد في أماكن محظورة بمحمية الملك خالد الملكية    الدوري السعودي الأول آسيوياً ب200 مليون مشاهدة    فريق طبي بتجمع جازان الصحي ينجح في إعادة السمع لطفل    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    مزاد "تمور العلا" يواصل فعالياته    خبير دولي ل«عكاظ»: قرار الجمعية العامة يعزز الموقف القانوني الفلسطيني عالمياً    استشهاد ثلاثة فلسطينيين في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على جنين    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    بلدية محافظة الاسياح تنفذ فرضية استباقية لمواجهة خطر السيول والأمطار    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت كيتس ونيفيس بذكرى استقلال بلادها    مجمع إرادة بالرياض: سلامة المرضى أولوية لدينا نظراً لطبيعة المرضى النفسيين ومرضى الإدمان    الغذاء والدواء: لا صحة للادعاءات المنتشرة حول فوائد مشروب جذور الهندباء    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    الرياض تحتضن القمة والمعرض السعودي للبنية التحتية الثلاثاء المقبل    البروفيسور فارس العنزي يحصد لقب الشخصية الأكثر تأثيراً في النشر العلمي بالولايات المتحدة الأمريكية    ارتفاع أسعار الذهب    أمير الشرقية: الخطاب الملكي أكد على مضي بلادنا لتحقيق المزيد من التطور والازدهار والنماء    النائب العام : الخطاب الملكي يعكس رؤية القيادة الرشيدة وحرصها على التطوير في شتى المجالات    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    نائب أمير جازان يتسلم شعلة دورة الألعاب السعودية 2024    اختتام دورة حراس المرمى التمهيدية في الرياض وجدة    داعية مصري يثير الجدل.. فتاة تتهمه بالتحرش.. و«قضايا المرأة»: تلقينا شكاوى أخرى !    نجمة برنامج America's Got Talent تنتحر    «التعليم»: تخصيص بائع في مقاصف المدارس لكل 200 طالب    95 ألف معمر .. اليابان تحطم الرقم القياسي في طول العمر!    المواطن عماد رؤية 2030    نائب أمير مكة يشهد انطلاق اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق بإمارات المناطق    حضن الليل    أحياناً للهذر فوائد    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    صندوق الاستثمارات يعلن تأسيس شركة "قَصص"    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    سموه رفع الشكر للقيادة.. وزير الثقافة يُثمّن تسمية مجلس الوزراء ل "عام الحِرف اليدوية"    د. حياة سندي تحصد جائزة المرأة الاستثنائية للسلام    ملاحقة "الشهرة" كادت تقضي على حياة "يوتيوبر"    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. الأمير عبدالعزيز بن سعود ينقل تعازي القيادة لأمير الكويت وولي عهده    في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة في ضيافة موناكو.. وأتالانتا يواجه آرسنال    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غسّان الديري يُطلق رصاصته على الحرب

وما زالت- بؤرة سردية تمدّ الروائيين بأفكار وآراء وصور. وعلى رغم مضيّ سنوات على انتهاء تلك الحرب، ظلّت ذكرياتها عالقة في أذهان من عاشوها، فاختاروا أن يخلّدوها كتابةً كي لا ننسى ويلاتها ونقع في شركها مرّة أخرى. وهذا ما يتجلّى بوضوح في رواية غسّان الديري الجديدة «حقل الرصاص» (دار غوايات)، وفيها يُطلق الكاتب صرخته المدويّة محذّراً من عودة حرب كلّفت البلد وأهله كثيراً. واستفاد الروائي من بعض ما يشكّل وثائق معروفة عمّا حصل أيّام الحرب اللبنانية لمدّة خمس عشرة سنة، متأثّراً بما يحيط به من مشهد دمويّ يزنّر البلاد العربية وحدودها عموماً. وفي هذا التحذير الروائي نستذكر ما كتبه الشاعر زهير بن أبي سلمى في معلقته بعيد انتهاء حرب داحس والغبراء: «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ...»، مؤكّداً أنّ طبولها تقرع في الأفق إذا لم نعمل على نقدها وفلسفة أسبابها ونتائجها عبر مشرط نقديّ موضوعيّ جريء.
يدفعنا نصّ «حقل الرصاص» على طرح أسئلة إشكالية منها: «إن كانت الحرب محرّضاً أساسياً على الكتابة، هل يمكن أن تكون عنصراً بنّاءً في وجه من وجوهها؟ يأتي هذا السؤال في وقتٍ يتفّق فيه الجميع أنّ الحرب فعل تدمير، ولها معنى السلب، وهي تُعادل في أيديولوجيتها وفي خطابها وفي تأثيرها فعل الانتحار. وهذا ما يؤكّده الديري في سيرورة السرد، حاملاً على الحرب التي لم تأتِ من أجل الحياة بل من أجل الفناء. «لستُ مع الهدم. لم أسمع من حضرة المسؤول العسكريّ أيّ كلام عن البناء. إنّي أشتمّ رائحة الموت تفوح مع كلّ كلمة تقولها» (ص11).
يُجسّد المسؤول العسكريّ شخصيّة إشكاليّة، تفرضه الظروف شبه حاكمٍ على قرية «كهف السنديان» المتاخمة لقرية «عين التفاح»، يطلّ الكاتب على رجالات الحرب الذين أُسقطوا فوق ثقافتنا وحياتنا إسقاطاً، ليزرعوا الضّغينة، ويقيموا السواتر ويرسموا خطوط التّماس، زارعين في الأذهان أنّ العدوّ داخليّ يكمن في القرى، على رغم أنّ الحقائق الفعلية مغايرة. فالنصّ يُبرّئ لأهل القرى مما حصل بينهم من قتال ودماء وعداوة، ويشير نحو مكانٍ آخر، أبعد من القرية وأهلها. وهذا ما يقوله بطل الرواية نفسه، عمر، في وجه المسؤول: «نحن تقريباً أهل ضيعة واحدة، تربيّنا معاً، وتعلّمنا معاً، وحاربنا الفقر معاً. لغة السلم أجمل من لعلعة الرّصاص. لا أريد أن أسمع صراخ الأمهات وهنّ يستقبلن جثث أولادهنّ» (ص12). وهو يُحمّله بذلك مسؤولية كلّ ما حصل وما حملته الحرب من ويلات وموت، منزّهاً البارئ عن مثل هذه الأفعال البشريّة الّتي لا يأمر بها إطلاقاً وإنما تُرتكب باسمه: «الله محبّة، لا يحبّ القتل ولا يحبّ المجرمين. هذه مشيئة من نصّب نفسه أميراً للحياة والموت ونحن رضخنا للأمر» (ص48).
وعلى رغم اجتهاد الكاتب في رسم صورة الحرب بموضوعية، مؤكّداً التآخي بين الطوائف، عبر نقله واقع التعايش بين القرى المختلفة دينيّاً وفكريّاً، من خلال سيميائية الأسماء، ودُور العبادة وتلاقي الشيخ والخوري، لم يتمكّن من جعل «المسؤول» شخصية تحوي جميع سمات المتحاربين، إذ ظهرت في أحيانٍ كثيرة أيديولوجيته ذات البعد اليساري والتي تتعارض تماماً ومؤامرته وارتباطه مع الخارج، فيقول: «كم أحبّ أن أعذّب الأغنياء الذين جعلونا نسكن بيوت الخشب والتنك» (ص56). واختلطت الأمور علينا أيضاً حين أوجد الكاتب بديلاً لهذا المسؤول العسكري، وجعله يتحلّى بثقافة واسعة وفكر تنويري، وكأنّ الحرب كانت تتوقّف على أفراد وليس على نهج يسمى القتل والتدمير.
لا شكّ في أنّ الحرب- التي حرمت البطل من أصدقائه وأهله وبلدته- هي العصب الرئيس في الرواية، لكنّ الكاتب نجح في ربط الموضوعات بعضها ببعضها الآخر، فنقل القارئ إلى ثنائية حضارية، «الشرق والغرب»، محاولاً التأكيد أن الشرقيين، ومنهم اللبنانيون، لهم ثقافتهم وحضارتهم، وهم يحملون في قلوبهم الحب والنظرة الراقية إلى الشعوب الأخرى. «سكّان تلك البلاد لا يتعاطون غير لغة الجسد، فهل يختلف عمر عنهم؟ ...- رسم ابتسامتي على فوّهة قلبه، ودعا العالم لكي يشاهدها» (ص126)، وهو يكرّس بذلك رؤية النصّ التي تقضي بأنّ الحب كفيل بهزم الحرب والقضاء على الموت.
تمكّن الديري من تحقيق معادلة بين طرحه الروائي وفنيّة نصّه، معتمداً تقاطبية الأمكنة، وتقنيات الزمن ومفارقاته، واصفاً حين يشعر بضرورة إبطاء السرد، وحاذفاً أو قافزاً فوق أحداث لم تكن لذكرها أهمية عبر حذف ضمنيّ وصريح... لكنّ هذا لم يحمِه من السقوط في التدخّلات غير المسوّغة ككاتب قطع سيرورة السرد مراراً ليعلن عن موقف مباشر كاشفاً ما يطمح القارئ إلى كشفه.
وبهذا تشكّل هذه الرواية كغيرها، بناءً كتابيّاً وجماليّاً لمحاربة اللاجمالي في الواقع التدميري. إنّها حرب ضدّ الحرب، وطرح يعرّي أيديولوجيا الحروب ومن يحاول ترويجها على أساس أنه يقاتل من أجل الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.