أن تستيقظ في مدينة تلبي لك حاجاتك اليومية فقط بضغطة زر من خلال الهاتف، وتنهي من خلالها معاملاتك من دون أن تتحرك من مكانك، فقد يكون هذا ضرباً من الخيال قبل سنوات، لكنه سيكون شكل الحياة في مدن سعودية خلال السنوات القليلة المقبلة، وفق مبادرة «تطبيق مفاهيم المدن الذكية» المعلن عنها (الأربعاء) الماضي من منظومة الشؤون البلدية والقروية، بهدف تحقيق برنامج «التحول الوطني 2020». ولم تحدد المبادرة المدن التي ستتحول إلى «ذكية»، إلا أن هناك مدناً مرشحة أو تعد الأكثر جاهزية للتحول، وهي: الرياض، وجدة، ومكة المكرمة، والمدينةالمنورة، والأحساء بشكل متفاوت. وتواكب السعودية بهذه الخطوة دولاً عدة في العالم على صعيد التحول الرقمي الكامل بتطبيق مفهوم «المدن الذكية»، والذي ظهر قبل أكثر من عقد بهدف تحسين أشكال الحياة كافة من خلال بيئة رقمية متصلة تتيح لساكنيها حياة أفضل وتوفر الوقت والجهد، وتزيد معدل الرفاهية. وتقوم المبادرة على تحويل خمس مدن سعودية إلى «ذكية» خلال ثلاثة أعوام، ومن المقرر أن تتحول مدينتان خلال العام 2018، وثلاث بنهاية 2019، في الوقت نفسه تجري المنظومة دراسات عن تحديد مدى جاهزية المدن السعودية الأخرى للتحول إلى «ذكية». وتشمل المدن الذكية السعودية «المباني الذكية»، وأنظمة النقل لتوجيه الحركة المرورية وتقليل الزحام، وخدمات الأمن والسلامة، ومتنزهات وممرات المشاة المزودة بوسائل التواصل الذكي (WiFi)، وبها شبكات ذكية لتصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول، واستخدام الإنارة الذكية للشوارع والطرق لترشيد الطاقة. وتتضمن تلك المدن أيضاً أنظمة مراقبة تدوير النفايات، لخفض معدلات التلوث وتقليص آثاره السلبية في البيئة وصحة الإنسان، وزيادة التوعية في الأخطار البيئية، وسرعة الاستجابة للطوارئ، إضافة إلى تميزها باقتصاد ذكي داعم للشركات الصغيرة والمتوسطة. ولتحقيق هذا التحول طالبت المنظومة بوضع استراتيجيات وسياسات عامة وطنية للتحول نحو المدن الذكية، وبناء نموذج للشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع وتطبيقات ذكية، وتطوير الأنظمة والتشريعات لتناسب مكونات تلك المدن، وتطبيق مفاهيم ومكونات المدينة الذكية في مدن سعودية عدة، وبناء نموذج شراكة مستدام مع القطاع الخاص. إلا أن هذا التحول الكبير سعودياً يواجه تحديات عدة، أبرزها عدم وجود تصور واضح لمفهوم «المدن الذكية» ومكوناتها في المملكة، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية، وعدم جاهزية البنية التحتية الداعمة للتطبيق عليها، وتقادم الأنظمة والتشريعات، وعدم ملاءمتها مع مفاهيم ومكونات تلك المدن. وفي المقابل، يحمل تطبيق المدن الذكية السعودية فوائد عدة، أهمها زيادة جذب الاستثمارات، وتنشيط الاقتصاد، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحقيق تنمية حضرية مستدامة من خلال تنفيذ مشاريع بنية تحتية ومرافق عامة ذكية، ترتفع معها معدلات مؤشرات الازدهار والتنافسية فيها، وتحسين كفاءة وإدارة المدن، وسرعة تقديم الخدمات للمستفيدين. وتتيح تلك المدن ترشيد استهلاك الطاقة من خلال تطبيقات ذكية تربط شركات الكهرباء فيها، ونشر ثقافة الابتكار، ومشاركة المواطنين والشفافية. ويرى خبراء أن التحول نحو «المدن الذكية» في السعودية يدخلها عصر «الثورة الصناعية الرابعة»، ويضيف إليها أكثر من نصف مليون فرصة عمل بحلول العام 2020، في الوقت نفسه يفيد التحول الرقمي في المجال الطبي بخفض نسبة الأخطاء البشرية فيه بحوالى 90 في المئة، وتقل مراجعات المرضى للطبيب بنسبة 50 في المئة، إضافة إلى خلق مجتمعات «صديقة للبيئة» موفرة للطاقة لساكنيها. الرياض أسرع «المدن الذكية» نمواً في العالم وعدّ العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لمدينة الملك عبدالله الاقتصادية فهد الرشيد، في حديث سابق، الرياض «أذكى مدينة في العالم لناحية سرعة النمو»، مشيراً إلى وجود أكثر من 247 ألف مدينة حول العالم تتنافس على مسمى ب«مدن ذكية»، ولكن غالبيتها فشلت في ذلك. يُذكر أن مبادرة تحويل خمس مدن إلى «مدن ذكية» تعد إحدى مبادرات الوزارة ال16 من أصل 755 مبادرة ل«برنامج التحول الوطني 2020». سعوديون يريدونها «إنسانية أولاً» وآخرون يسألون عمن لا يملكون «حواسيب» استقبل سعوديون إعلان مبادرة «المدن الذكية» بمواقف تباينت بين الترحيب والتشكيك وعدم الاهتمام، فضلاً على إثارة شهيتهم للحديث عن مشكلات أخرى رأوها أكثر أهمية من هذا التحول، إذ طالبوا بالتحول نحو «المدن الإنسانية»، بالالتفات لحل المشكلات الأساسية لملايين من المواطنين المتمثلة في رأيهم في توفير «السكن» و«التوظيف»، وتوفير مشاريع البنية التحتية لكثير من المدن. وطالب المغرد إيهاب طاهر بإطلاق مبادرة للتحول إلى «المدن الإنسانية» على غرار «المدن الذكية»، وهو ما أيده وليد كاتباً: «المدن الإنسانية أولاً، ومن ثم الذكية، الإنسان أهم من التقنيات»، متمنياً «أنسنة المدن بإدراجها ضمن خطط التطوير». ورحب فهد البجيدي بالمبادرة بالقول: «مشروع تحسين جودة الحياة مشروع طموح قابل للتطبيق في السعودية في شكل كبير لوجود عوامل نجاح كثيرة وتحديات قليلة». وانتقد عمر تلك المبادرة ورآها «مخصصة فقط للنخب، مثل هيئة الترفيه»، متسائلاً: «أين أنتم من الفقراء الذين لا يملكون حتى كمبيوتر قبل الحديث عن المدن الذكية»؟ ونصح نواف الحربي ب«استنساخ تجربة الجبيل وينبع وتعميمها على بقية المدن السعودية، خصوصاً في توزيع المحلات التجارية والمراكز الخدمية». إلا أن آخر وجدها «فكرة مستحيلة التطبيق من دون وجود توعية»، فيما رآها آخر من دون جدوى، وكتب: «ستكون مثل المدن الاقتصادية التي دفعت قيمتها كاملة، ولم نرَ منها شيئاً». ورأى مقرن العتيبي المبادرة «غير منطقية»، مستغرباً «في أقل من ثلاث سنوات ستحول خمس مدن إلى ذكية! حدثوا العاقل بما يعقل»، فيما غرد آخر «حاربوا الفساد المالي والإداري، واقضوا عليه لنصدق بأن أي مبادرة ستنجح». ولم تخلُ تغريدات سخرية مواطنين من المبادرة، إذا تساءل أحدهم عن مصير بقية المدن، وكتب: «وماذا عن باقي المدن نحولهم صعوبات تعلم مثلاً»؟ فيما طالب آخر «وظفونا أولاً وحولونا إلى كوكب زحل»! ودعا دهيمان إلى الالتفات أولاً إلى البنية التحتية لأنها الأهم، مغرداً «أصلحوا الشوارع المليئة بالحفر، تكسرت ظهورنا وسياراتنا».