بعد خمسة عقود من إقرار نظام محاكمة الوزراء، تفعل المملكة العربية السعودية النظام المرة الأولى في تاريخها، بالتحقيق مع وزير الخدمة المدنية السابق خالد العرج، تمهيداً لمحاكمته، وذلك بعد القرار الملكي الصادر أول من أمس، ضمن حزمة من القرارات الملكية، والقاضي بإعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج، وإحالته إلى التحقيق. وبناء على ما تم رفعه من رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس هيئة الرقابة والتحقيق، إلى الديوان الملكي في شأن تجاوزات الوزير السابق، وإساءتة استخدام السلطة، أصدر الديوان الملكي أمراً بإعفائه من منصبه الذي تم تعينه فيه قبل حوالى 27 شهراً، وإحالته إلى التحقيق، وفقاً لنظام محاكمة الوزراء. وتسري أحكام هذا النظام، الذي تم إصداره بقرار من مجلس الوزراء قبل 58 عاماً، ويفعّل، المرة الأولى في تاريخ المملكة، على أعضاء مجلس الوزراء والموظفين المعينين بمرتبة وزير في حال ارتكابهم، أثناء تأدية وظائفهم، إحدى الجرائم المنصوص عليها في النظام، كما ينص نظام محاكمة الوزراء على معاقبة المتهم بعد إدانته بالسجن مدة تراوح بين ثلاث وعشر سنوات. ووصف المحامي والمستشار القانوني عبداللطيف السويد القرار الملكي ب«التاريخي»، وقال ل«الحياة»: «استند هذا القرار الاستثنائي في تاريخ المملكة إلى كلٍ من نظام محاكمة الوزراء ونظام الإجراءات الجزائية، وذلك بناءً على ما رفعته هيئتا مكافحة الفساد والرقابة والتحقيق». وأضاف: «نظام محاكمة الوزراء أصبح منذ إنشائه كالمعلق، أو أشبه ما يكون بنظام صادر مع وقف التنفيذ، لعدم تفعيله منذ إصداره بموجب مرسوم ملكي رقم (88) وتاريخ 22-9-1380 ه، وشمل هذا النظام ثماني مواد، وعدداً من الإجراءات القانونية والتحقيقية والقضائية». وأضاف السويد: «من أهم الأحكام التي تناولها هذا النظام، معاقبة الوزير المتجاوز، بعد ثبوت إدانته، بالسجن مدة تراوح بين ثلاث وعشر سنوات، في حال ارتكب عدداً من المخالفات، ويترتب على الحكم بإدانة الوزير عزله من منصبه وحرمانه من تولي الوظائف العامة أو أية وظيفة، كما أوجب النظام على الوزير المتهم رد ما أفاده من جريمته»، وفي ما يتعلق بالتحقيق معه، أوضح أنه يتم تأليف لجنة تحقيق من وزيرين أو من في مرتبتهما، وعضو شرعي برتبة رئيس محكمة كبرى على الأقل، ورفع تقرير بالدراسة خلال 30 يوماً، وبعد التحقيق مع الوزير يتخذ مجلس الوزراء قراره، فإذا قرر الاتهام عمد إلى تشكيل هيئة المحاكمة، وفي حال الاتهام يجرى تبليغ المتهم، كما يحق لمجلس الوزراء عند إقراره إحالة المتهم إلى المحاكمة أن يقرر حبسه احتياطاً إلى حين انعقاد أول جلسة من جلسات هيئة المحاكمة، وجعل النظام لمجلس الوزراء الحق في إصدار قرار بكف يد المتهم عن العمل إلى أن يفصل في أمره، مع إيقاف صرف رواتبه». وعن تطبيق النظام، قال رئيس مبادرة تكامل للمعونة القضائية المحامي والمستشار القانوني ماجد قاروب ل«الحياة»: «إن هذا التفعيل يعتبر الأول للنظام منذ إقراره، مشيراً إلى تأكيد ذلك جدية الحكومة السعودية بتفعيل مبدأ الحوكمة والشفافية، وترسيخ مكافحه الفساد والحفاظ على المال العام والوظيفة العامة لخدمه الوطن، على جميع المستويات، والقضاء على بيروقراطية العمل الحكومي المفسدة لكل طموحات التنمية». وأوضح قاروب: «ينص النظام على أن تتولى محاكمة الوزراء ومن في مرتبتهم هيئة تشكل من ثلاثة وزراء يختارهم مجلس الوزراء من طريق «القرعة»، وعضوين شرعيين برتبة رئيس محكمة كبرى على الأقل، ولا يكون بينهم من يمت إلى المتهم بقرابة. ويكون أكبر الوزراء سناً هو رئيس هيئة المحاكمة». وزاد: «وفقاً للمادة الخامسة من النظام؛ يعاقب المتهم بالسجن مدة تراوح بين ثلاث وعشر سنوات، إذا ارتكب نصرفات أو أفعالاً من شأنها التأثير، بالزيادة أو النقص، في أثمان البضائع والعقارات أو العملة أو الأوراق المالية للحصول على فائدة شخصية له أو لغيره، أو في حال قبول فائدة، أياً كان نوعها، لنفسه أو لغيره، لقضاء عمل رسمي، أو الامتناع عن عمل رسمي. أيضاً في حال ثبوت اتهامه باستغلال النفوذ، ولو بطريق الإيهام، للحصول على فائدة أو ميزة لنفسه أو لغيره، من أية هيئة أو شركة أو مؤسسة أو مصلحة من مصالح الدولة. وفي حال تعمده مخالفة النظام واللوائح والأوامر التي يترتب عليها ضياع حقوق الدولة المالية أو حقوق الأفراد الثابتة شرعاً أو نظاماً. أيضاً في حال ارتكابه جريمة إفشاء قرارات ومداولات مجلس الوزراء، التي تتعلق بأمن الدولة الداخلي وبسلامتها الخارجية، وبالشئون المالية والاقتصادية، وبمحاكمة الوزراء، أو التدخل الشخصي في شؤون القضاء والهيئات والدوائر الحكومية. مؤكداً أنه يترتب على الحكم بإدانة الوزير أو من في مرتبته، عزله من منصبه، وحرمانه من تولي الوظائف العامة، ومن عضوية مجالس إدارات الهيئات والشركات والمؤسسات، ومن أية وظيفة». قضية وزير الخدمة المدنية السابق خالد العرج بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بعد تسريب وثيقة حكومية، تكشف عن تعاقد وزارة الشؤون البلدية والقروية مع أحد أبناء الوزير في برنامج «الكفاءات المتميزة» بمرتب يتجاوز 21 ألف ريال، بمرتبة مدير مشاريع، مع عدم امتلاكه مؤهلات علمية تتناسب مع المسمى الوظيفي، جاء ذلك بالتزامن مع تصريحات أطلقها الوزير السابق عن إنتاجية الموظف الحكومي، التي حصرها في ساعة واحدة يومياً، والتي وصفت ب«المستفزة»، وأثارت التصريحات مع الأنباء، التي تم تسريبها، عن تعيين ابن الوزير في برنامج الكفاءات، وابنه الآخر في الوزارة ذاتها، غضباً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، امتد إلى مخاطبة عدد من المغردين هيئة مكافحة الفساد، للتحقيق فيما نشر.