توجه عشرات الفلسطينيين أمس، إلى موقع يطل على سجن عوفر الواقع في قلب قاعدة عسكرية إسرائيلية، قرب مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، ووجهوا عبر مكبرات الصوت، رسائل تشجيع وتضامن ومؤازرة للأسرى المضربين عن الطعام في السجن. جاءت التظاهرة بعد يوم واحد من قيام مستوطنين ونشطاء من قوى اليمين الإسرائيلي، ب «تظاهرة شواء» أمام هذا السجن بهدف التأثير على الحالة المعنوية للأسرى، ودفعهم إلى إنهاء إضرابهم. وعادة ما يشعر الجوعى بتأثر كبير في حالة شم رائحة الطعام. لكن لم تسجل حالة تراجع بين المضربين عن الطعام في هذا السجن، بعد «حفلة الشواء» التي قام بها النشطاء الإسرائيليون. ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية أنباء مفادها أن منظمة «الاتحاد الوطني» اليهودية مولت شراء اللحوم للنشطاء الذين قاموا بالشواء أمام السجن. ورد النشطاء الفلسطينيون بالدعوة إلى تظاهرة، أمس الجمعة، أمام السجن بهدف إرسال رسائل دعم وإسناد إلى الأسرى المضربين عن الطعام. وجاء في الرسائل التي وجهها المتظاهرون إلى الأسرى، عبر مكبرات الصوت: «جئنا إليكم، من مختلف أنحاء فلسطين، جئنا إخوانكم وأخواتكم وأصدقاءكم لنقول لكم قلوبنا معكم، فأنتم ترفعون رأس الأمة العربية». وهاجمت قوات الاحتلال المسيرة التضامنية مع الأسرى، أمام السجن، بالقنابل المسيلة للدموع. وانتقلت معركة «الأمعاء الخاوية» التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية إلى الطبقتين الشعبية والسياسية في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. في الجانب الفلسطيني يتفاعل الفلسطينيون على مختلف المستويات مع الإضراب عن الطعام الذي يخوضه الأسرى منذ حوالى أسبوع، مطالبين بتحسين شروط حياتهم في السجن الذي يمضي بعضهم حياته خلف جدرانه. ويشمل التفاعل أشكالاً مختلفة مثل المسيرات الشعبية، والجلوس في خيام الاعتصام المقامة في جميع المدن والبلدات، والنشر في وسائل الإعلام الدولية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. وفي الجانب الإسرائيلي، ينشر إسرائيليون مقالات مضادة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ترمي إلى صبغ صور الأسرى المضربين بالإرهاب. وكتب عدد من كبار الكتاب والمعلقين في إسرائيل مقالات في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تتهم الأسير مروان البرغوثي الذي يقود الإضراب، بالإرهاب وقتل المدنيين. ومن هؤلاء درور بن يميني الذي كتب في مقال له أنه شارك مع البرغوثي في أنشطة مؤيدة للسلام، عقب أوسلو. لكنه قال «إن البرغوثي كان يخفي تحت تلك الأنشطة السلمية شخصيته العنيفة»، وأنه سرعان ما تحول إلى «الإرهاب»، بعد اندلاع الانتفاضة. وشنت إسرائيل واللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة حملة ضغط شديدة على صحيفة «نيويورك تايمز» لنشرها مقالاً للأسير مروان البرغوثي يتحدث فيه عن ظروف الأسر التي دفعته ورفاقه إلى خوض الإضراب. ووصل الاعتراف إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي هاجم الصحيفة بقوة لوصفها البرغوثي ب «القائد والبرلماني»، واصفاً إياه بدروه ب «الإرهابي الكبير». وأجبرت حملة الضغط صحيفة «نيويورك تايمز» على إعادة نشر تنويه في ذات الموقع الذي نشرت فيه المقال، جاء فيه أن البرغوثي «أدين في محكمة إسرائيلية بجرائم قتل، وحكم عليه بالسجن خمسة مؤبدات وأربعين عاماً». لكن الصحيفة أشارت في التنويه إلى أن البرغوثي لم يعترف بهذه التهم، وأنه رفض تعيين محام، وأنه تولى الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، وهو ما أثار غضب إسرائيل. وظهرت أصوات خافته في إسرائيل تطالب الحكومة الإسرائيلية بالاستجابة إلى مطالب الأسرى المضربين عن الطعام خشية أن يؤدي إضرابهم إلى حدوث انتفاضة بين الفلسطينيين. ومن هذه الأصوات عضو الكنيست إرائيل مرغليت، المرشح لرئاسة «حزب العمل» الذي قال عقب لقاءه القيادي في حركة «فتح» جبريل الرجوب، بأن اليمين الإسرائيلي يُعد لانتفاضة جديدة بسبب هاتف عمومي، مشيراً في ذلك إلى المطلب الرئيس للأسرى، وهو توفير هاتف عمومي في السجون للاتصال مع عائلاتهم. واتهم عضو مرغليت رئيس الوزراء نتانياهو ووزير أمنه الداخلي جلعاد أردان بتجاهل توصيات مصلحة السجون الإسرائيلية. وقال إنهما يقومان بتوتير المنطقة بسبب «هراء تركيب هاتفي عمومي للأسرى». وذهب إلى حد وصف نتانياهو ووزير أمنه بأنهم «ليسوا قادة» وأنهم «مصابون بالهوس وقلة المسؤولية». ورد وزير الأمن جلعاد أردان على عضو الكنيست إرائيل مرغليت بالقول في تغريدة نشرها أمس، على «تويتر»: «مرغليت التقى أمس مع قيادي كبير من حركة فتح والذي يسعى لفرض المقاطعة علينا ومعه هاجم رئيس الوزراء وهاجمني، وأعلن تأييده الصريح للمخربين الذين قتلوا مئات الإسرائيليين» . وأضاف: «من أجل حملته لرئاسة حزب العمل كل شيء مشروع بالنسبة لمرغليت، حتى التماهي مع الإرهابيين القتلة ضد حكومة إسرائيل». وشهدت الضفة الغربية أمس، مواجهات واسعة بين المتظاهرين المتضامنين مع الأسرى وجنود الاحتلال. وتركزت هذه المواجهات في مناطق الاحتكاك مع الإسرائيليين المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، ومعسكر عوفر قرب رام الله، ومخيم قلنديا شمال القدس، وقرية النبي صالح الواقعة قرب طريق يستخدمه المستوطنون وغيرها. ويتوقع أن تشتد المواجهات والتظاهرات مع تعمق إضراب الأسرى ورفض الحكومة الإسرائيلية الاستجابة إلى مطالبهم المتمثلة في تمكين عائلاتهم من زيارتهم مرتين شهريا، وتوفير هاتف عمومي للاتصال مع عائلاتهم، وتمكينهم من الانتساب إلى الجامعات والمدارس.