أصرت إسرائيل، من خلال كبار المسؤولين فيها ووسائل إعلامها، على الترويج بأن إضراب الأسرى في سجون الاحتلال هو «معركة سياسية شخصية» للقيادي في حركة «فتح» مروان البرغوثي موجهة إلى قيادة الحركة والسلطة الفلسطينية، «أكثر من الاهتمام حقاً برفاهية الأسرى وشروط أسرهم». كما اختارت، لتأكيد روايتها، أن تبرز حقيقة أن ثلثي الأسرى الفلسطينيين من «فتح» لا يشاركون في الإضراب فضلاً عن أسرى سائر الفصائل. وأبدى وزراء في الحكومة تشدداً في تصريحاتهم ضد الأسرى وإعلان رفضهم التفاوض مع الأسرى، فيما قامت سلطة السجون بإجراءات سمّتها «انضباطية» ضد قادة الإضراب، على رأسهم البرغوثي الذي أعلن محاميه أنه نقل إلى سجن انعزالي شمال إسرائيل. من جهتها، حذرت جهات أمنية من اتساع الإضراب وأن يسيطر على الأجندة السياسية – الأمنية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية على السواء، و «حصول انتفاضة أسرى قد تتحول لاحقاً انتفاضة شعبية». وقال وزير الأمن الداخلي يغآل اردان في تصريحات للإذاعة العسكرية أمس إن «هذا إضراب سياسي قاده البرغوثي خدمةً لمصالحه، وذلك في إطار الصراع على مراكز القوى داخل السلطة الفلسطينية وليس لدينا شك في ذلك». وأضاف أن «الحديث هو عن قتلة ومجرمين يحصلون على ما يلزم القانون الدولي بمنحهم... نحن بصدد أسرى أمنيين قاموا بجرائمهم لدوافع قومية، وهناك فرق مبرر في التعامل معهم ومع سجناء جنائيين». وتابع أن قادة الأذرع الأمنية ومسؤولي وزارة الصحة أجروا في الأسابيع الماضية جلسات كثيرة لمواجهة إضراب الأسرى. وأقر أنه تمت إقامة مستشفى ميداني داخل سجن كتسيعوت لمعالجة الأسرى المتضررين من الإضراب، «وذلك كي لا يتم تحويلهم على المستشفيات العادية المفترض أن تخدم المواطنين الإسرائيليين». وشدد اردان على أن سياسته تقوم على أنه «ممنوع إجراء مفاوضات مع أسرى أمنيين... إنها مصلحة أمنية عليا عدم الخنوع للإضراب عن الطعام، وهذا ما يوجهنا في تعاملنا مع الإضراب. علينا أن نحافظ على ردعنا تجاه الأسرى... لا أرى مبرراً حقيقياً لإضرابهم، وعليه لا مكان لمنحهم شروطاً أفضل من التي يحصلون عليها». وأضاف رداً على سؤال عن استراتيجية التصرف في حال رفض الأسرى المضربون العلاج الطبي: «سلطة السجون متأهبة، سوياً مع أذرع الأمن ووزارة الصحة، لمعالجة أي حالة صحية تحصل... وأنا على ثقة بأن لديها الرد المناسب على أي تطور»، مشيراً إلى أنه بموجب قانون جديد تم سنه قبل عامين «يسمح للطبيب بإطعام أسير يتعرض إلى الموت بسبب رفضه الطعام، قسْراً». وحيال الغضب الإسرائيلي على محرري صحيفة «نيويورك تايمز» على نشرها مقال البرغوثي ووصفه بالقيادي الفلسطيني البارز «من دون أن تشير إلى حقيقة أنه قاتل وإرهابي ومدان بخمسة مؤبدات»، قال أردان إنه طلب من سلطة السجن إجراء تحقيق في كيفية تمكن البرغوثي من إيصال مقاله إلى الصحيفة الأميركية، مهدداً أنه «سيتم استخلاص العبر من ذلك، حتى إن كان علينا تشديد شروط لقاء المحامين بالأسرى». من جانبها أيضاً، تماهت وسائل الإعلام العبرية مع موقف قادة المستوى السياسي في إدراج الإضراب ضمن المعركة الداخلية على قيادة السلطة الفلسطينية، وأن المبادر الرئيس للإضراب هو البرغوثي. وقال مراسل الإذاعة العامة للشؤون الفلسطينية إن «البرغوثي يريد أن يبعث برسالة قوية إلى رئيس السلطة (محمود عباس) وقيادة فتح على عدم انتخابه نائباً لرئيس السلطة، أنه في استطاعته النهوض من الأنقاض وقيادة إضراب مفتوح ذي صدى شعبي كبير، وهو وراء القضبان». وكتب المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أن تسليط ضوء الإعلام على إضراب الأسرى «يخدم البرغوثي في معركته على قيادة السلطة»، مشيراً إلى نجاحه في نشر مقال له في موقع صحيفة «نيويورك تايمز». وأردف أن احتمال تطور الإضراب إلى أزمة جوهرية واستمراره خلال زيارة عباس لواشنطن الشهر المقبل ثم بدء شهر رمضان وارد، و» عندها قد تحصل تعقيدات، مثل إدخال مضربين إلى المستشفيات، والعودة إلى بحث إمكان إطعامهم بالحقن قسراً، أو أن يحدق خطر موت بأي منهم، ما قد يشعل الأوضاع الميدانية في أراضي الضفة الغربية». وأشار المعلق إلى قرار اردان المدعوم من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، يقضي بعدم التفاوض مع الأسرى وعدم التجاوب مع مطالبهم، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن «هذه السياسة لم تصمد في الماضي في مقابل إصرار الأسرى على مواصلة الإضراب». وزاد: «في كل الأحوال، نحن بصدد أزمة تستوجب مرافقة لصيقة من القيادتين السياسية والأمنية خشيةً من أبعادها خارج أسوار السجون».