يتفق المعلقون في الشؤون الحزبية في إسرائيل على أن اليسار الصهيوني الذي يقوده حزب «العمل» ويشارك فيه حزب «ميرتس» المتلاشي، يعيش الآن أتعس فتراته، مستبعدين أن يكون في وسع «العمل»، تحت قيادة وزير الدفاع ايهود باراك أو أي من قياديي الحزب الحاليين، أن يطرح بديلاً سياسياً حقيقياً على الناخب الإسرائيلي المتجه أصلاً إلى اليمين والتشدد. وشهدت الأسابيع الأخيرة تحركات جديدة للتمرد على باراك وبداية محاولات لإطاحته من زعامة الحزب، وذلك على خلفية إصراره على مواصلة الشراكة في حكومة يمينية – دينية متشددة بزعامة بنيامين نتانياهو على رغم سقوط المبرر لهذه الشراكة كما أعلنه باراك قبل 20 شهراً وهو دفع العملية السياسية مع الفلسطينيين. ومع دخول هذه العملية في جمود شبه تام، في أعقاب إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي فشل محاولاتها لاستئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ارتفعت الأصوات بحدة أكبر مطالبةً بانسحاب الحزب من الحكومة والانضمام إلى حزب «كديما» الوسَطي المعارض لتشكيل معارضة برلمانية حقيقية وقوية للحكومة اليمنية والعمل على إسقاطها. لكن غياب شخصية قوية داخل الحزب قادرة على تحدي باراك واجتذاب تأييد واسع في أوساط الحزب، يفاقم من أزمة الأخير. ولا يرى المعلقون أن الوزيرين اسحق هرتسوغ وأفيشاي برافرمان اللذين أعلنا نيتهما المنافسة على زعامة الحزب وعملا على تقديم موعد الانتخابات الداخلية لزعامته، جديان أو قادران على انتشال الحزب من الغرق. ويشيرون إلى أنه لو كان الاثنان مستاءين حقاً من مواصلة الجلوس في الحكومة على خلفية تعثر المفاوضات مع الفلسطينيين كما يدعيان، لتوَّجَب عليهما الاستقالة من منصبيهما، ما من شأنه أن يحرج باراك ويحمله على سحب الحزب كله من الحكومة والتمهيد لسقوطها. وكان الحزب، أعرق الأحزاب الإسرائيلية والذي أقام الدولة العبرية عام 1948 وحكمها ثلاثة عقود متواصلة قبل أن ينتزع حزب «ليكود» اليميني سدة الحكم، شهد الانقسام الشديد في صفوفه فور الانتخابات العامة الأخيرة قبل أقل من عامين حين انحصر تمثيله البرلماني في 13 مقعداً، وهو أقل عدد في تاريخه. وتعزز الانقسام مع قرار مؤتمر الحزب، بضغط من باراك، دخول الحكومة في نيسان (أبريل) من العام الماضي، وقامت جبهة معارضة داخل الحزب رفض أعضاؤها، وما زالوا، تأييد الحكومة. ولاحقاً أعلن اثنان منهم اعتزالهما الحياة السياسية احتجاجاً على سياسة باراك المتماهية مع نتانياهو. وفيما بدا باراك، الذي عزز في العامين الأخيرين من صلاحياته الدستورية داخل الحزب ليصفه معارضوه بالدكتاتور، غير مكترث بالمعارضة، تبدّلت الحال في الأسبوعين الأخيرين مع إعلان زعيم نقابة العمال (هستدروت) الشخصية النافذة في الحزب عوفر عيني عن وجوب إمهال الحكومة فترة محددة لتعلن موقفها من المفاوضات مع الفلسطينيين، وانه في حال استمر الجمود السياسي ينبغي على «العمل» الانسحاب من الحكومة. ولقي هذا الموقف التأييد من الوزير بنيامين بن اليعيزر حليف باراك حتى الأمس القريب، إذ أطلق أول من أمس نداءً إلى زعيم الحزب السابق عمرام متسناع بالعودة إلى كرسي زعامة الحزب «من أجل إنقاذه». لكن هذه الدعوة بالذات عكست تخبط قادة الحزب. فمتسناع كان قاد الحزب في انتخابات عام 2003 بعد أن خلع البزة العسكرية، وخسر أمام زعيم «ليكود» في حينه أرييل شارون. وإذ رفض، لتمسكه بمواقف حمائمية وسلامية قياساً بمواقف شارون، الدخول في حكومة برئاسة الأخير، تمرّد عليه أقطاب الحزب وعلى رأسهم بن اليعيزر، ما اضطره إلى تقديم استقالته قبل أن يمضي عام على تزعمه الحزب وأعلن اعتزاله الحياة السياسية. وأثارت دعوة بن اليعيزر لمتسناع حنق الأمين العام السابق للحزب النائب ايتان كابل الذي استهجن مبادرة بن اليعيزر واعتبرها نفاقاً سياسياً. ولم يتردد كابل في توجيه دعوة إلى متسناع عبر الإذاعة بعدم ارتكاب خطأ العودة إلى الحزب «لأن حزب العمل قضى على اليسار الإسرائيلي»، وهو الذي كان اعتبر في تصريحات سابقة إن الحزب «ضلّ طريقه منذ سنوات، وباراك ليس سوى حفّار القبر». ولم تستسِغ أوساط في الحزب كلمات كابل ودعته إلى تقديم استقالته من كتلة الحزب البرلمانية واتهمته بالتواطؤ من أجل تسويه سمعة الحزب. من جهته، كشف زعيم حركة «ميرتس» اليسارية حاييم اورون أنه التقى أخيراً متسناع وحاول إقناعه بالانضمام إلى الحركة أو تزعم إطار سياسي جديد يمثل «يسار حزب كديما». وقال إنه لمس تخبطاً لدى متسناع بالعودة إلى المعترك السياسي بعد تجربته السابقة والمرّة مع حزب «العمل».