على رغم تعريف فريق GKW النمسوي- الألماني أمسيته الغنائية الأخيرة غير الاعتيادية على أنها «أغانٍ- غير احتجاجية» تحمل اسم «المتفرج المميز»، قدمت الأمسية على مسرح الجزويت الثقافي في الإسكندرية انعكاسات مكثفة لواقع التحولات الثقافية والتساؤلات الإبداعية والتناقضات الأيديولوجية والصخب الفني المتأثر بثورات الربيع العربي، الأمر الذي يطلعنا على نوع جديد من العروض السياسية الفنية التي تسعى إلى إعادة إنتاج الواقع الراهن وما يتعرض له من تحولات. قدم الفريق عرضاً موسيقياً ذا رؤية تحليلية لأشكال الاحتجاج والانتفاض، وكذلك السكون الفاعل عبر سرد غنائي إبداعي مصحوباً بموسيقى وأغانٍ فلكلورية تاريخية وآريات أوبرالية أعيدت صياغتها لتصبح سلسلة من الأغاني الاحتجاجية الجديدة قلباً وقالباً. مغنٍ وملحن (توبياس كريستل وتوربيورن بيورنسون) يجلسان أمام بيانو وكيبورد، يقرآن ويغنيان بعض النصوص. المؤديان يقومان بدور المغني والمتحدث والموسيقي على حد سواء، يرفعان صوتيهما معاً فيظهر مزيج مدهش من التآلفات والإيقاعات والألحان والإداءات التي يتم تطويعها لتناسب كلمات وأشعاراً ارتجالية وأخرى مقفاة أو مسجوعة. يُظهر الفنانان مزيجاً موسيقياً غير تقليدي يضع النصوص ذات الإطار الفكري العميق سياسيّاً في سياق غنائي يسهل فهمه، بينما يجري تأمل الخلفيات النصية وترجمتها، ويسعى القائمون على العرض إلى إيصال رسائلهم الفنية الإصلاحية للحكام والمعنيين فتتقاطع كثيراً مع السياسية. تعاون في صياغة العرض فنانون مصريون وأوروبيون، مقدمين معاً أشكالاً موسيقية جديدة تعانقت فيها الموسيقى الكلاسيكية والحداثية، الأغاني الشعبية التاريخية وأغاني البروباغندا والاحتجاج وغيرها مما يتم خلطه على أيدي المتحدثين والمغنين والموسيقيين ليتولّد في القاعة مناخ جديد من الموسيقى وأجواء تبعث على الفكر والتأمل، ما يخلّف حالة بصرية وشكلية وحركية مثيرة تخاطب عقل المشاهد - المستمع وفكره. أما «المشاهد المميز» (العرض نفسه) فلم يتخذ موقفاً وظل سلبياً، ممتنعاً عن الوقوف عن كرسيه ليتحول إلى متمرد. خاض العرض على مدار 55 دقيقة في قضايا جدلية عبرت عنها تساؤلات «من الناس؟ ومن نحن؟ وما هي الديموقراطية؟ وهل نحن جزء منها أو لا نعد جزءاً منها؟ من يسمع صوته ومن لا يسمع؟ ما هي أشكال الاحتجاج وصيغه؟ من يثور ضد من؟ ومن يجلس مكانه بلا حراك؟» ويتخلل العرض شرح لأشكال عدة من الشغب والثورات. تشتهر الفرقة الغنائية المستقرة بين ألمانيا وسويسرا بعروض تجمع بين الميتافيزيقا والخيال العلمي الشعري، وتتعامل مع مواضيع مختلفة مثل الاختفاء والإنسانية والماضي، فيما قدمت عرضها الأخير في مصر بدعم من مؤسسة بروهيلفتسيا (المؤسسة الثقافية السويسرية)، معهد غوته الألماني بالتعاون في إطار ملتقى «لازم مسرح»، وهي من إنتاج غكو مويرا جيليرون وأريانه كوخ وزينو في، وتأتي في إطار مشروع «النجدة، الشعب قادم!» بالتعاون مع مبادرة ثيتر إز إي ماست، الجمعية الأدبية في برلين، مسرح ماكسيم غوركي في برلين، وأخيراً بيت الأدب في بازل.