تعالت أخيراً أصوات العديد من قادة حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يرأسه الرئيس اليمني السابق علي صالح، للمطالبة بفك الارتباط بالحوثيين، بفعل ممارسات الإقصاء والتهميش التي تمارسها ميليشيات الحوثي قادة الحزب وعناصره، والاستحواذ على موارد الدولة، وإصدار قرارات التعيين في المناصب القيادية في مخالفة للقانون وفي شكل منفرد، ومن دون أي اعتبار لاتفاق الشراكة، بين حليفي الانقلاب على السلطات الشرعية في اليمن، إضافة إلى اتهام نشطاء المؤتمر الذين ينتقدون فساد الميليشيات بالعمل لمصلحة دول التحالف واعتبارهم «خونة وعملاء»، وفق الخطابات الأخيرة لزعيم المتمردين عبدالملك الحوثي. واعتبرت هذه الأصوات دعوة الحوثي لتفعيل قانون الطوارئ، وتطهير مؤسسات الدولة من «الخونة والعملاء»، موجهة ضد نشطاء المؤتمر، الذين يكشفون ممارسات الميليشيات وينتقدون فسادها في مختلف مؤسسات الدولة، ويواجهون الإجراءات الأحادية التي تتخذها، وهي التي تعين عناصرها وأتباعها في مختلف الوظائف القيادية، من دون العودة للحكومة أو المجلس السياسي الأعلى المشكلين مناصفة بين الحليفين، واستخدام مسلحي الميليشيات لتنفيذ هذه القرارات بالقوة، ومواجهة أي قرارات أو إجراءات يتخذها وزراء المؤتمر بذات القوة لإبطالها، والاستيلاء على كل موارد الدولة وعدم توريدها للبنك المركزي، ما يجعل من الشراكة مع المؤتمر هيكلاً ديكورياً. الصحافي نبيل الصوفي المقرب من صالح قال: «أنا مع أن يعلن المؤتمر الشعبي العام اعتزاله العمل السياسي، والاعتكاف في المنازل»، وتابع «حاول المؤتمر بما يقدر عليه مساعدة أنصار الله، ولكنهم لا يحتاجون لأي تحالفات»، ولفت في منشور آخر على «فايسبوك» إلى أن من يديرون البلاد ليس المجلس السياسي ولا الحكومة وإنما رئيس اللجنة الثورية محمد علي الحوثي ومعه عبدالكريم الحوثي. وأكد محمد المسوري المحامي الخاص بالرئيس السابق علي صالح، أن لدى الحوثيين مخططاً للانقلاب على «التحالف الصوري الهزلي والعقيم مع المؤتمر، والذي يستخدم كبرواز جميل لصورة قبيحة، وأن الغرض استخدام المؤتمر كورقة مناديل تُرمى فور ملئها بالقاذورات». وأضاف: «بقاء المؤتمر في هذا التحالف السخيف انتحار بسم قاتل». وأوضح المسوري في منشور عبر «فايسبوك» أن الميليشيات الحوثية تسعى إلى توريط حزب المؤتمر الشعبي العام في إصدار بعض القوانين والقرارات الخطيرة عبر مجلس النواب. وكشف أن الميليشيات تسعى إلى تمرير «قانون الطوارئ عبر الحكومة إلى البرلمان، ومشروع قانون الخدمة العسكرية الإلزامية لخريجي الثانوية العامة، وإصدار قرار ببقاء اللجان الثورية الحوثية في المؤسسات الحكومية والمحافظات وتفعيل نشاطها». واعتبر المسوري بقاء «اللجان الثورية التابعة للحوثي في المؤسسات الحكومية انتهاء للتحالف مع المؤتمر الشعبي العام، وانقلاباً على المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ، ويريدون تمرير هذا الانقلاب بموافقة من ينقلبون عليه»، وهو صالح وحزبه المؤتمر، كما أن إصدار قانون الخدمة العسكرية الإلزامية لخريجي الثانوية العامة يمثل في نظر المسوري «كارثة»، وقال: «يريدون أن نرسل أولادنا ليدافعوا عنهم بدلاً من إرسالهم إلى الجامعات»، واختتم منشوره بالتساؤل: «ما هي مبررات المؤتمر للبقاء في هذا التحالف الذي يقتلنا ليل نهار؟». مصادر مقربة من حزب المؤتمر الشعبي العام أكدت «تعرض رئيس الحزب علي صالح لضغوط كبيرة من قيادات وناشطي وإعلاميي حزبه، الذين يطالبونه بفك الارتباط بالحوثيين وإنهاء التحالف الصوري معهم، والذي حقق للحوثيين كل أهدافهم، وحمل حزب المؤتمر وقيادته وزر الأخطاء الكارثية التي ترتكبها الميليشيات». وقالت المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» إن صالح سبق أن برر «لقيادات وقواعد حزبه المؤتمر الشعبي العام، تحالفه مع الحوثيين بالحفاظ على بقاء الحزب وقياداته وعناصره في مختلف مؤسسات الدولة، والحفاظ على موقع الحزب ضمن أي تسوية سياسية مقبلة في اليمن، وأن عدم التحالف مع الحوثيين يعني استبعاد الحزب نهائياً من الخارطة السياسية، وبالتالي إزاحة قياداته وعناصره من مختلف المناصب القيادية العليا والوسطى، واستبدالهم بعناصر تابعة للحوثي والمكونات السياسية الأخرى، أثناء وبعد الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من عامين». وأوضحت المصادر أن قيادات ونشطاء المؤتمر الذين كانوا يعارضون التحالف مع الحوثيين أكدوا لصالح أن «ميليشيات الحوثي تحكم سيطرتها على السلطة، ولا تتيح لممثلي المؤتمر أي فرصة للقيام بدورهم، وأن قيادات الحزب المشاركة في الحكومة والمجلس السياسي، تتعرض للمهانة والإذلال على أيدي المشرفين الحوثيين، وأن عناصر الحزب يقصون من غالبية الوظائف القيادية، وفوق كل ذلك يتهمهم زعيم الميليشيات بأنهم طابور خامس وخونة وعملاء ويجب تطهير مؤسسات الدولة منهم، ما يعني أن كل الأهداف التي دفعت للتحالف مع الحوثيين لم تتحقق». وأشارت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها، أن صالح «بات مقتنعاً بأن ميليشيات الحوثي تعمل في شكل حثيث للانقلاب عليه وعلى حزبه المؤتمر الشعبي العام، وهو ما دفعه لعقد اجتماع بقيادات المؤتمر، وممثليه في المجلس السياسي والحكومة وهيئة رئاسة البرلمان»، وعلى رغم أن الخبر الرسمي للقاء تحدث عن مناقشة المستجدات المتعلقة باستعدادات قوات الجيش اليمني المدعوم من دول التحالف العربي بقيادة السعودية، لاستعادة السيطرة على مدينة وميناء الحديدة على الساحل الغربي لليمن، والضغط على الحوثيين لتفعيل اتفاق الشراكة معهم، والالتزام بالدستور والقانون كمحاولة أخيرة. إلا أن المصادر أكدت أن الاجتماع «ناقش الخيارات المتاحة لفك الارتباط بالحوثيين، وبالتالي الاستعداد لمواجهتهم»، وقالت إن صالح عقد العديد من الاجتماعات اقتصر حضورها على القيادات العليا في الحزب، وأكد أن «الحوثيين عدو حقيقي لهم، وأنه يعد العدة لضربهم، وبالتالي يجب الاستعداد لمواجهتهم، وأن على المؤتمر تفعيل نشاطه التنظيمي على مستوى المراكز، والاهتمام بالشباب والطلاب وحضّهم على الالتفاف حول المؤتمر ومساندته في مواجهة العدو الداخلي قبل الخارجي». الصحافي المؤتمري كامل الخوداني، أكد كلام المصادر في مقال نشره على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وقال إن قانون الطوارئ، ولغة التهديد وتخوين المؤتمريين بالكامل وتصنيفهم كطابور خامس، وإعداد كشوفات بأسماء أكثر من 2000 قيادي وإعلامي وناشط مؤتمري، لاستهدافهم في معظم المناطق بالسجن والتصفية والإخفاء القسري بتهمة الطابور الخامس، قضى على التحالف القائم بين المؤتمر والحوثيين، وإن لم يعلن ذلك». وأضاف الخوداني: «إن استمرار تصرفات الحوثيين بنفس الوتيرة، والتحريض والاستعداء المتواصل والواضح ضد المؤتمريين، يؤكد أن أمامنا مواجهة مؤجلة وليس فقط إعلان نهاية التحالف». مراقبون وسياسيون يمنيون أكدوا أن فشل المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ في إدارة مؤسسات الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة تحالف (الحوثي- صالح) الانقلابي، يعود لاستمرار اللجان الثورية التابعة للميليشيات الحوثية في فرض سيطرتها على مختلف المرافق والمؤسسات الحكومية، ما يكشف أن تحالف الحوثيين مع صالح وحزبه، كان خطوة تكتيكية لجر صالح إلى دائرة المواجهات، والاستفادة من تحالفاته الشعبية، ومن القدرات العسكرية للقوات الموالية له، وإضعافه تدريجياً حتى يحين موعد الانقضاض عليه. وقال المراقبون والسياسيون في أحاديث إلى «الحياة» إن الميليشيات الحوثية «لم تأمن غدر صالح، وأنها كانت تدرك جيداً أنه يمكن ينقلب عليها في أي لحظة، وبالتالي أبقت على اللجان الثورية التي تحكم قبضتها على مختلف مفاصل الدولة، ورفضت في شكل قاطع إلغاء هذه اللجان وفق اتفاق الشراكة، الذي شكل بموجبه المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، ليكونا واجهة ديكورية من دون أي صلاحيات، لتبقى الكلمة الفصل لزعيم المتمردين عبدالملك الحوثي، والذي يمرر توجيهاته من خلال رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، وفروع اللجنة في مختلف الوزارات والمؤسسات». ويعتقد المراقبون والسياسيون أن فض تحالف (الحوثي- صالح) «لن يتم في شكل سلمي، بل إن هذه الخطوة ستقود بالتأكيد إلى مواجهة مسلحة بين الحليفين، وهو ما يدركه الحوثي وصالح جيداً، ويستعدون له»، ويؤكدون أن ساعة الصفر لاندلاع هذه المواجهة «مرهونة باستكمال أحد الحليفين أو كلاهما الاستعدادات للمنازلة، وضمان القدرة على ضرب كل طرف للآخر والقضاء عليه، ولكنها وفق المعطيات الراهنة باتت قريبة جداً».