ألقى زعيم المتمردين في اليمن عبدالملك الحوثي، خطاباً صادماً لملايين اليمنيين الذين يتضورون جوعاً، في مناسبة مرور عامين على «عاصفة الحزم» التي تنفذها دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم الشرعية في اليمن. خطاب الحوثي تجاهل التحذيرات الدولية التي تؤكد أن 18.8 مليون يمني أصبحوا في حاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 10.3 مليون في حاجة ماسة لمساعدات عاجلة، وأن الحرب المتصاعدة في اليمن ألحقت تأثيرات كارثية في الأُسر والأطفال، وأن حياة 9.6 مليون طفل يمني باتت مهددة، ودعا أتباعه وأنصاره إلى تفعيل قانون الطوارئ لمواجهة من وصفهم ب «المنحطين والدنيئين والقذرين من الطابور الخامس» الذين يؤيدون العدوان. وبدلاً من الحديث عن مخارج توقف الحرب في البلاد، وتعيد إليها الأمن والاستقرار، والتوجه للحلول السلمية والسياسية، ومعالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف باليمن ودفعت بغالبية سكانه إلى دائرة الفقر والعوز، وهو ما كان ينتظره المواطن اليمني، جاء الخطاب المتلفز للحوثي ليحضّ أتباعه على تفعيل قانون الطوارئ وتطهير مؤسسات الدولة والسلطة القضائية، وكل المناطق التي تحت سيطرتهم من كل خصومه ومعارضيه الذين يعتبرهم «عملاء وأعداء الوطن ومؤيدين للعدوان». وكشف الخطاب أن الحوثي - الذي لا يغادر الكهف الذي يختبئ فيه في محافظة صعدة- لا يدرك أبعاد الأوضاع الراهنة والأزمة المعيشية والاقتصادية التي تسحق اليمنيين، بل وغير ملم بما يجري في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات من تطورات سياسية، وهو ما جعله يتناقض كلية في خطابه مع التفاهمات التي يتوصل إليها أتباعه مع شريكه في الانقلاب الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وجاء خطاب الحوثي الذي دعا فيه الى تفعيل قانون الطوارئ وتطهير مؤسسات الدولة ممن يعتبرهم عملاء، بعد ساعات فقط من إصدار هيئات ما يسمى مؤسسات الحكم الانقلابية التي تخضع للشراكة بين الحوثيين وصالح بياناً أكد تفعيل القوانين النافذة والتزام الدستور في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما يعد في نظر المراقبين تناقضاً فاضحاً يعكس حقيقة انعدام الشراكة بين الانقلابيين، وأن الحوثيين يستخدمون صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام مطية لتنفيذ أهدافهم، ولا يلتزمون أي اتفاقات مع شركائهم، مثلما لا يعيرون المواطن اليمني أي اهتمام، ولا يلتفتون الى معاناته. ويرى المراقبون أن حديث الحوثي حول تطهير مؤسسات الدولة ممن وصفهم ب «الخونة الموالين للعدوان» ومحاكمتهم على خيانتهم، واستبدال «الأكفياء» بهم يمثل توجيهاً صريحاً وواضحاً بفصل من يعارضون الانقلاب، أو ينتقدون فساد الحوثيين، أو يطالبون بمرتباتهم، أو المنقطعين عن العمل لعدم قدرتهم على الاستمرار في ظل انقطاع المرتبات، واستبدال أتباع وعناصر الحركة الحوثية بهم، وهو الهدف ذاته في نظر المراقبين من دعوة زعيم الحوثيين الى فتح أبواب التجنيد في الجيش والإحلال بدل الفرار و «الخونة»، ما يعني تحويل مؤسستي الجيش والأمن ميليشيات حوثية. المحامي الخاص بالرئيس السابق صالح محمد المسوري هاجم بشدة خطاب الحوثي، وانتقد قانون الطوارئ الذي دعا زعيم المتمردين الى تفعيله، وقال في مقال بعنوان «خطاب صعدة ينسف اتفاق صنعاء» نشره على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» إن الخطاب الذي ألقاه عبدالملك الحوثي يثبت بلا شك أنه الآمر الناهي فوق كل السلطات التي تم الاتفاق على عدم التدخل في شؤونها. واعتبر المسوري الخطاب بمثابة تأكيد «أن القرارات لا تصدر من صنعاء، وإنما من صعدة، والبقية كومبارس»، وقال: «لقد قام صراحة بتعطيل الدستور والقوانين النافذة التي اتفق في صنعاء على التقيد بها، وقبل أن يغادروا قاعة الاجتماع جاء خطاب صعدة يقول لهم بلوا الاتفاق وأشربوا ماءه»، منتقداً البعض ممن «هللوا وكبروا للخطاب واعتبروه آيات قرآنية نزلت من السماء وما علينا إلا التصديق». وأوضح المسوري أن «الدعوة الى تفعيل حال الطوارئ في البلاد تأتي تحت حجج وذرائع واهية، في حين أن الدافع والمحرك الرئيسي لهذه الدعوة يكمن في تأذي الحوثيين، من توسع حالة النقد والصراخ ضد الفساد والمفسدين، والتخريب والنهب، والمطالبة بالمرتبات، وكشف الشركات النفطية للحوثيين، وأعمالهم التجارية ومكاتبهم خارج اليمن». القيادي الحوثي السابق القاضي عبد الوهاب قطران اعتبر خطاب زعيم المتمردين الحوثيين موجهاً ضد من يطالبون بمرتباتهم، وقال قطران في منشور له على «فايسبوك»:» اليوم طلع لنا عبدالملك الحوثي يبشرنا بالطوارئ والتطهير والطابور الخامس، وهو يقصد بالطابور الخامس الذين يطالبون بالمرتبات، أما الآخرون فهو يتقاتل معهم في الجبهات»، ودعا الى مواجهة هذا الخطاب بقوة، وأضاف: «يجب على كل الأقلام التكاتف ونقده بشراسة، وإلا ابشروا بمحاكم تفتيش». وأوضح قطران أن أتباع الحوثي في مواقع التواصل الاجتماعي بدأوا عقب انتهاء الخطاب «يوزعون علينا تهم العمالة والخيانة والطابور الخامس بكل بجاحة بعد خطاب سيدهم، أنا الجائع الفقير المعدم المطارد من المؤجر والدائنين، المنهوبة مرتباتي منذ ستة أشهر، عميل للسعودية وطابور خامس وخائن واستحق القتل والسحل... يا إلهي إلى أين وصل بهم الانحطاط والسقوط». ووفق مصادر متطابقة، فإن الميليشيات الحوثية باشرت العمل لتنفيذ توجيهات زعيمها في خطابه الأخير، اذ أكد عدد من مراسلي الصحف والقنوات العربية والدولية الذين لايزالون يعملون في مناطق سيطرة الميليشيات ل «الحياة» أن نائب وزير إعلام الحوثيين هاشم شرف الدين وجه الأجهزة الأمنية التابعة للميليشيات بالطلب من الصحافيين والمراسلين إبلاغه مسبقاً بتحركاتهم والمواضيع التي يرغبون في تغطيتها، حتى لا يتعرضوا للاعتقال، إضافة إلى موافاته بروابط المواد التي يبثونها في قنواتهم أو ينشرونها في صحفهم. وقال هؤلاء المراسلون إنهم يتعرضون لمضايقات مستمرة من المسلحين الحوثيين أثناء تنفيذ مهماتهم التي باتت محدودة أصلاً، وإنهم يتعرضون لاعتقالات متكررة، وتتم جرجرتهم إلى المناطق الأمنية التابعة للميليشيات، واحتجازهم ساعات قبل أن يطلق سراحهم. وأكدت مصادر أمنية يمنية أن الميليشيات تعد حالياً قوائم بالمستهدفين في مختلف مؤسسات الدولة، في العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم، ممن يطالبون بمرتباتهم أو يضربون عن العمل احتجاجاً على عدم صرف مرتباتهم منذ ستة أشهر، أو ينتقدون فساد قيادات الميليشيات الحوثية ولجانها الثورية التي تسيطر على كل مؤسسات الدولة ومرافقها وتستولي على كل مواردها، وقالت المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» إن إعداد هذه القوائم يمثل الخطوة الأولى لتنفيذ توجيهات زعيم المتمردين في خطابه الأخير. وتعتقد المصادر ذاتها أن مضمون خطاب الحوثي المتعلق بتفعيل قانون الطوارئ وتطهير مؤسسات الدولة من «الخونة والعملاء»، يمثل استباقاً لثورة الجياع ضد الميليشيات، والتي من المتوقع أن يشعلها موظفو الدولة في كل المؤسسات والمصالح الحكومية، الذين ضاقت بهم سبل العيش، بسبب انقطاع مرتباتهم منذ ستة أشهر، وأضحوا عاجزين عن إطعام أسرهم وأطفالهم، بخاصة إذا استمر تجاهل الحوثيين أوضاع الموظفين ومعاناتهم التي تفوق الاحتمال. وتقول المصادر إن الهدف من هذا الخطاب إرهاب الناس وإرغامهم على التكيف مع الجوع وعدم المطالبة بحقوقهم أو معارضة سياسة الميليشيات، وبالتالي عدم الاحتجاج أو الخروج للمطالبة بالمرتبات، وإيقاف الحرب التي أشعلها الحوثي وأوصلت البلاد إلى هذه الحال، وفي الوقت ذاته معاقبة من يعارضون الانقلاب ويطالبون بمرتباتهم، لجعلهم عبرة للآخرين.