لا تبدو معادلة نفوذ واشنطنوطهران في العراق متوافقة مع مواقف الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي يبتعد يوماً بعد يوم من سياسة طهران، لكنه يحرص أيضاً على ألا يكون قريباً من سياسة واشنطن. وكان الصدر وجه في بيان انتقادات حادة إلى قصف الطيران الأميركي قاعدة الشعيرات الجوية في سورية، منتقداً بالحدة ذاتها إغارة الطائرات السورية على بلدة خان شيخون في إدلب. وفاجأ الجميع بدعوته الرئيس بشار الأسد إلى التنحي، وانسحاب «كل الأطراف والميليشيات» (منها ما هو عراقي) من سورية، على عكس مواقف معظم الأطراف السياسية والدينية الشيعية المعروفة. ويبدو موقف الصدر منسجماً مع طروحاته الكثيرة حول الأزمة السورية، فقد أعلن سابقاً رفضه التدخل في تلك الأزمة، وأكد في مقابلة مع «الحياة» نهاية عام 2013 أنه أمر أنصاره برفض القتال في سورية. في السياق ذاته، اتخذ الصدر موقفاً أكثر بعداً من إيران، ما سمح لبعض أنصاره بربط طهران بتهديده بالاغتيال، على رغم أنه رفض الإفصاح عن الجهة التي وجهت إليه التهديد. ومما يشير إلى هذا الابتعاد إصراره على التظاهر ودعم الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح، متخذاً في الوقت ذاته موقفاً عدائياً شديداً من المجموعات المسلحة الشيعية الأكثر قرباً من إيران والتي يطلق عليها باستمرار اسم «الميليشيات الوقحة»، ويجاهر بالعداء لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. في الوقت ذاته، يحرص الصدر في بياناته ومقابلاته الصحافية النادرة، على إطلاق مواقف متشددة من الأميركيين والبريطانيين، وقال في مقابلة تلفزيونية أخيراً، إنه مستعد للتعامل مع أي دولة لم تشارك في احتلال العراق. وبذلك، يكسر الصدر القاعدة التي تشكل محور النفوذين الأميركي والإيراني في العراق منذ سنوات، فيما غيره يتقرب من واشنطن بالابتعاد من طهران، وبالعكس، مثل بعض الشخصيات الشيعية، ومن بينها رئيس الوزراء حيدر العبادي، التي تحاول مسك العصا من الوسط، ما يبدو صعب التحقق في وضع معقد كالوضع العراقي. ويقول مقربون من الصدر ل «الحياة»، إنه تلقى عروضاً من وسطاء لتقريب المواقف بينه وبين البيت الأبيض، وبالفعل بدأ عدد من قادة تياره لقاءات مع السفارة الأميركية في بغداد، لكن ذلك لم يمنعه من التشدد في عبارات الإدانة للاحتلال وتحميله مسؤولية ما حصل ويحصل في البلاد. موقف الصدر المحير لنظرائه الشيعة، تدعمه قاعدة شعبية عريضة من المؤيدين المنظمين بشكل جيد، استخدمهم في اقتحام المنطقة الخضراء مرات عدة، وهو يتزعم أكبر المجموعات الشيعية المسلحة (سرايا السلام) وأكثرها عدداً وأفضلها تسليحاً وتدريباً، كما تشكل على الدوام مصدر قلق لبقية المجموعات. وتشكل تلك القاعدة من المؤيدين والمسلحين عامل ردع لمعظم القوى الأخرى، ما يبرر اتخاذه مواقف لا تنسجم مع ما تمكن تسميته «ثوابت القوى الشيعية العراقية»، ومنها الموقف من النظام السوري، باعتباره أكثر المواقف التي تعكس مستوى النفوذ الإيراني في العراق.