هتف عشرات آلاف الفلسطينيين أمس من ساحة السرايا وسط مدينة غزة، بصوت واحد مطالبين بإقالة حكومة التوافق الوطني الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله احتجاجاً على قرارها حسم مبالغ كبيرة من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. وردد المحتجون خلف أحدهم هتافات، «ارحل ارحل يا حمد الله»، و «ارحل يا حمد الله ارحل يا بشارة»، في إشارة الى وزير المال شكري بشارة. كما ردد آخرون هتافات تطالب برحيل الرئيس محمود عباس، وحمّلوه المسؤولية عن «مجزرة الرواتب» وتهميش القطاع وسكانه المليونين. وفي مقارنة مع عباس، هتف المتظاهرون: «أبو عمار يا أبونا، من بعدك جوعونا». ورفع آخرون لافتات موجهة الى عباس كتب عليها: «كلنا ثقة في نُصرة أبنائك الموظفين في غزة»، و «ثقتنا بك لاسترداد استحقاقات موظفي غزة»، فيما نشرت وزارة الداخلية التي تديرها «حماس» عشرات من رجال الشرطة لحفظ النظام وتسهيل حركة السير وإنجاح التظاهرة الاحتجاجية. ورفع ناشطون في «الحملة الشعبية غزة موحدة ضد الاحتلال والحصار والتهميش- انقاذ»، التي انطلقت قبل أسبوع في غزة، لافتات كتب عليها: «أرزاقنا ليست للمساومة في البازار السياسي». وندد المتظاهرون ب «سياسة التمييز ضد قطاع غزة المحاصر» ومعاقبة سكانها، خصوصاً الموظفين. وسيطر شعور عميق لدى المحتجين بالظلم والغُبن والقهر والغضب، خصوصاً بعد مرور أيام عدة على «مذبحة الرواتب» من دون أن يلوح في الأفق أي حلول للأزمة التي عصفت بنحو 54 الف موظف لدى السلطة في القطاع، بل أظهرت تصريحات الحكومة مضيها قدماً في حسم مبالغ من رواتب موظفيها. وكان الحمد الله قال من تونس أول من أمس، إن «رواتب موظفي قطاع غزة الأساسية لم تُمس، وإنما تم خفض بعض العلاوات، وتم إبقاء بعض العلاوات، حتى نستطيع إدارة الأزمة المالية التي نعاني منها». لكن موظفين قالوا إن عدداً من العلاوات والترقيات تم وقفه منذ أن سيطرت حركة «حماس» على القطاع عام 2007، على رغم أن الحكومة أمرت آنذاك موظفيها المدنيين والعسكريين في القطاع بعدم التوجه الى أعمالهم في الوزارات والهيئات الحكومية، ومن واصل عمله، قُطع راتبه. وشدد الموظفون على أنه لا يمكن أن يكافأوا بحسوم من رواتبهم. وتساءلوا: «لماذا طاولت الضائقة المالية موظفي القطاع من دون الضفة؟» البالغ عددهم نحو 110 الف موظف، ما يعني أن هناك تمييزاً واضحاً واستهدافاً لهم من دون غيرهم. ووصفوا جميع الحجج والمبررات التي ساقتها الحكومة بأنها «واهية وغير صحيحة». وجاء التجمع بناء على دعوة من نقابة الموظفين العموميين وقيادة حركة «فتح» في القطاع التي يُعتبر السواد الأعظم من موظفي السلطة من المنتمين اليها. وحضت «فتح» في بيان وزعته ليل الجمعة- السبت أنصارها على «المشاركة الفاعلة في الاحتجاج على قرار حكومة الحمد الله». وطالبت أبناءها ب «الالتزام والانضباط التام، وعدم السماح باستغلال هذه الفاعلية لأي أغراض لا تخدم المطالب العادلة، وفي مقدمها عدم المس بأي من حقوق الموظفين، وكل حقوق أهلنا وشعبنا، في قطاع غزة، باعتبارهم جزءاً أصيلاً من مكونات السلطة الوطنية الفلسطينية». وقال نائب أمين سر المجلس الثوري للحركة فايز أبو عيطة إن «هذه الآلاف المؤلفة من الموظفين وأبناء فتح، وإلى جانبهم أبناء الشعب الذين يدعمونهم في مواقفهم العادلة، يراهنون على موقف الرئيس عباس بالتدخل العاجل لتحقيق العدالة والإنصاف والمساواة لهم أسوة ببقية موظفي السلطة». واعتبر أن «هذه الحشود في ساحة السرايا وسط مدينة غزة تؤكد التفافها ودعمها التام للرئيس عباس، وتناشده إلغاء الإجراءات التعسفية الظالمة التي اتخذتها حكومة الحمد الله في حقهم وطاولت رواتبهم وقوت أبنائهم». من جهتها، اعتبرت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أن تصريحات الحمد الله التي برر فيها مجزرة الرواتب «تفتقد المسؤولية الأخلاقية والوطنية، وتعزز سياسة التمييز بين أبناء الوطن والواحد، وتفقد الحكومة شرعيتها وصدقيتها». وشددت في بيان على أن «الحمد الله في تصريحاته وتبريراته تنكّر للمهمات والأسباب التي كانت أساس تشكيل هذه الحكومة، وعلى رأسها القيام بواجباتها تجاه أهالي القطاع وتعزيز صمودهم في ظل الأوضاع المتدهورة واستمرار الحصار». واعتبرت أن تصريحات الحمد الله بإنفاق السلطة 17 بليون دولار على القطاع خلال عشر سنوات «مجافية للحقيقة وغير دقيقة، فغزة في نظرهم بقرة حلوب تساهم بحوالى 50 في المئة من إيرادات المقاصة (الضرائب) التي تحصل عليها السلطة، وبالتالي تجني السلطة أموالاً طائلة من القطاع، أما استفادة القطاع فهو محدود جداً». وشددت على أن «التراجع عن هذه الخطوة يمثل أولوية للجميع باعتبار أن غزة جزء من الوطن، وليست كياناً معادياً، وأن الراتب ليس منّة من أحد بل حق وواجب وطني ودستوري». واعتبر عضو اللجنة المركزية ل «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» محمود خلف أن الاقتطاع من الرواتب «لا يستند لأي مسوغ قانوني»، وهو «مرفوض وظالم وقد يؤدي الى انعكاسات خطيرة ومدمرة على شعبنا الفلسطيني، خصوصاً الموظفين في القطاع». ورأى أن خطورة القرار تكمن في أنه «لا يؤدي الى تعميق الانقسام فقط، بل إلى انفصال قطاع غزة عن الوطن، وهذا يتعارض مع تصريحات عباس بأنه لا دولة في غزة ولا دولة من دون غزة». وطالب الحمد الله «بوقف الإجراء الظالم الذي يحول أكثر من 85 في المئة من بيوت القطاع إلى مآسٍ وأحزان لما يعانيه سكان القطاع من حصار خانق وارتفاع في نسب الفقر والبطالة». ودعت حملة «إنقاذ غزة» في بيان أصدرته ليل الجمعة- السبت الفلسطينيين في القطاع الى المشاركة في «اعتصام» السرايا «للتعبير عن موقف الحملة الرافض لمجزرة الرواتب». وقال المنسق العام للحملة عبدالكريم عاشور ل «الحياة» إن «هذه المشاركة تأتي للتعبير الصادق عن وقفتنا في الحملة مع موظفي السلطة الذين تحملوا الكثير من أجل الوطن، وصد أي محاولات مشبوهة لفصل الضفة عن القطاع، وإيماناً منها بأن للشعب الفلسطيني كله مصيراً واحداً، ولا يمكن التعامل مع قطاع غزة وكأنه حمولة زائدة». واعتبر أن «الأبعاد السياسية للقرار أخطر بكثير من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، على أهميتها». كما حذر من «أخطار فصل القطاع تماماً عن بقية الوطن والمشروع الوطني، وأن يكون القرار توطئة لتمرير مشاريع تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية، أو دفع أهالي القطاع نحو خيارات صعبة ومدمرة».