سيطر القلق من الفراغ الرئاسي في لبنان على الوضع السياسي، وتجلى هذا الهاجس في مواقف لكل من رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة تمام سلام، فيما شهدت أروقة السياسة اللبنانية اندفاعة ديبلوماسية لافتة لمواكبة الصعوبات التي تواجه اتمام الاستحقاق، كان أبرزها عودة السفير السعودي علي عواض عسيري الى بيروت أمس بعد غياب لأكثر من تسعة أشهر، وأجرى فور وصوله اتصالات بسليمان وسلام ورئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدد من القيادات، بينما ينتظر أن يزور السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل السعودية خلال الساعات المقبلة لبحث الوضع اللبناني مع المسؤولين فيها ومع زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. (للمزيد) وإذ أكد عسيري أن الرياض لن تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي وأن اللبنانيين «هم من يختارون رئيسهم وهم قادرون على ذلك»، كان سليمان قال صباحاً إن «تدخل الدول في مسألة اختيار الرئيس مرفوض»، معتبرا ان «من سيحصل على الرئاسة سيكون له مؤيدون وليس مجرد اسم أو متصرفاً يأتي من الخارج»، ليحدد أولويات الديبلوماسية اللبنانية ومهمات المرحلة السياسية المقبلة، مشدداً على متابعة تنفيذ كل مقررات الحوار الوطني. ولفت قول سليمان إنه يجب استكمال اعادة النظر في الاتفاقات مع سورية التي أبرمت قبل التبادل الديبلوماسي معها لأنه بات هناك تعارض بين دور السفير وبين دور الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني – السوري. ودعا الى اعادة النظر في أمور أخرى. وقدم سليمان شرحاً لسياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية، مشيراً الى تشجيع الأطراف في الداخل والخارج على تحييد لبنان وإلى واجب دولي لتحييده. وأضاف: «هو واجب ملقى على سورية أولاً، إذ عليها ألا تقبل أن يتدخل أحد من عندها في لبنان ضد طرف لمصلحة طرف، وعلى ايران ودول الخليج ألا تقبل بذلك أيضاً وكذلك الدول الأوروبية وعلى الجميع ألا يشجعوا أحداً لاستخدام لبنان كممر للتدخل في سورية أو أن يشجعوا اللبنانيين على التدخل في سورية عن طريق المال والسياسة». واعرب الرئيس سلام عن خشيته من أنه «حتى هذه اللحظة لم تظهر اشارة الى ان هذا الاستحقاق سينجز في شكل مريح»، على رغم أنه أمل بأن يجرى انتخاب رئيس جديد «في مناخ مماثل للذي أنتج توافق القوى السياسية على تشكيل الحكومة من دون تدخل خارجي». وكان السفير الأميركي هيل زار كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري وسلام، وقال بعد اجتماعه مع الأول إن «دور المجتمع الدولي والولايات المتحدة هو مساعدة اللبنانيين في حماية هذه العملية الانتخابية وليس لدينا أي دور في اختيار مرشح ولا ينبغي ذلك لأي قوة أجنبية أخرى». كما زار سفراء الاتحاد الأوروبي للتعبير عن دعم المؤسسات اللبنانية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. وقال السفير السعودي عسيري إنه تلقى تأكيداً من كبار المسؤولين عن وضع خطة أمنية هي قيد التنفيذ حالياً لبسط الأمن والاستقرار، وإنهم أكدوا أن «الوضع الأمني مطمئن»، وإنه عاد الى ممارسة مهماته انطلاقاً من حرص خادم الحرمين الشريفين. وأمل بتحسن الوضع الأمني يومياً والخطة الأمنية ستثبت قدرة الحكومة على ترسيخ الأمن والاستقرار. ورداً على سؤال قال عسيري: «لا يوجد حظر على سفر السعوديين الى لبنان، انما هناك حرص من خادم الحرمين الشريفين على أبناء بلده ومواطنيه، فكان هذا التحذير فقط خلال الظروف التي شهدها لبنان في الماضي والتي نأمل بألا تتكرر». وأكد أن عودة السعوديين والخليجيين الى لبنان ترتبط بمدى نجاح الخطة الأمنية ومدى فاعليتها. وعن دور المملكة في انتخاب رئيس جديد للبنان، قال «الخيار يجب أن يكون لبنانياً – لبنانياً، وما نعمل عليه هو أن يكون هناك توافق بين جميع القوى اللبنانية السياسية في الفترة المتبقية بعيداً من الفراغ لكي يختاروا رئيساً للبنان للمرحلة القادمة». وعن زيارات شخصيات لبنانية للمملكة، قال «معظم الزعامات اللبنانية يرتبط بالمملكة ارتباطاً وثيقاً وتاريخياً، ولا غرابة بأن تكون هناك زيارات للمملكة والجميع يعلم مدى حرص المملكة وخادم الحرمين الشريفين على استقرار الوضع الأمني والسياسي في لبنان من دون أن يكون هناك أي تدخل من حكومة المملكة لأن العلاقة المميزة التي تربط بين البلدين تؤهل لهذه الزيارات». ورفض عسيري ربط عودته الى لبنان بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقال: «أملنا ان نرى توافقاً لبنانياً – لبنانياً يتم داخل لبنان ويكون اختيار الرئيس اللبناني للمرحلة المقبلة لبنانياً بامتياز، لا سيما ان المرحلة المقبلة التي تمر بها المنطقة هي مرحلة حساسة للغاية. وأنا عدت الى لبنان لممارسة عملي والتواصل مع كل القيادات السياسية بما يخدم مصلحة لبنان واستقراره». وأجرى عسيري اتصالاً برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع المرشح للرئاسة. من جهة أخرى، عيّن مجلس الوزراء أمس في جلسة عقدها برئاسة سليمان خمسة محافظين، في خطوة جديدة لملء الشواغر التي كانت معطلة بفعل الأزمة السياسية والحكومية في السنتين الماضيتين، وهم فؤاد فليفل لجبل لبنان، زياد شبيب لبيروت، عماد لبكي لعكار، رمزي نهرا للشمال وبشير خضر لبعلبك – الهرمل.