ترحيب دولي بنتائج «محادثات جدة».. جهود المملكة تدعم السلام    أمير القصيم يزور شرطة المنطقة ويشارك رجال الأمن مأدبة الإفطار    واشنطن: مشروع قانون لتجنب شلل الحكومة الفدرالية    عَلَمُنا.. ملحمتنا الوطنية    بلديات «غزة» تعيش كارثة إنسانية شاملة    لجنة تقص سورية للتحقيق في جرائم الساحل.. لا أحد فوق القانون    روسيا تدرس وقف النار وسط نجاح محادثات السعودية    إدانات دولية لجرائم الحرب الإسرائيلية    التسليح النووي: سباق لا ينتهي نحو القوة والردع    هولاند: يوكوهوما جاهز لمواجهة نجوم الأندية السعودية    الاتفاق يودّع البطولة الخليجية من نصف النهائي    «دار طنطورة».. من أبرز الوجهات التي يقصدها الزوار في رمضان    المملكة تدشّن مشاركتها في معرض لندن الدولي للكتاب    الحرص على روافد المعرفة    روحانية الشهر الكريم    السمات الشخصية المظلمة في بيئة العمل    السهر في رمضان.. تراجع إنتاجية العمل    سعود بن مشعل يشهد «ليلة وقفة جود مكة»    القيادة تهنئ رئيس موريشيوس    الأمن العام والدفاع المدني يشاركان في معرض «الداخلية»    الأهلي يهدد بالانسحاب من الدوري المصري    فيصل بن مشعل يرفع العلم على سارية ميدان التوحيد    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير إفتاء الشرقية    أمير الشرقية يكرّم شركاء التأهيل.. ويطمئن على المرضى    «الملك سلمان للإغاثة» يواصل أعماله ضمن مشروع سلة إطعام    مركز جراحة المخ والأعصاب بمجمع الدكتور سليمان الحبيب بالعليا يعيد الحركة لمراجعة وينهي معاناتها مع الآلام    مهاجم يعود للتهديف بعد 30 يوما    سعوديات يدرن مركز الترميم بمكتبة المؤسس    إدارة الحشود في المسجد الحرام بالذكاء الاصطناعي    آرت بروميناد تستهوي زوار جدة    "أدير العقارية" تحقق مبيعات تجاوزت نصف مليار ريال في مزاد مخطط "المشرق" بالخبر خلال خمسين دقيقة    الزواج من البعيدة أفضل!    التخلص من 492 رأس ماشية في رمضان    52 خزانا تنقل وتوزع المياه المجددة    الرباعي السعودي يتزعم القارة الصفراء    الشباب شغوفون بالطائرة والمشي يستهوي الفتيات    أمير منطقة جازان يشارك منسوبي إمارة المنطقة الإفطار الرمضاني السنوي    غُرفة عمليات أجاويد 3 بخميس مشيط تحتفل بيوم العلم    بلدية محافظة الأسياح تحتفي بيوم العلم السعودي    سبل تصدر طابعاً بريدياً بمناسبة يوم العلم    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تشارك في معرض لندن الدولي للكتاب    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع الإفتاء بالمنطقة الشرقية للعام 2024    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : القطيبة    أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لقيادة حرس الحدود بالمنطقة للعام 2024    بتوجيه من سمو ولي العهد.. المملكة تستضيف محادثات أمريكية- أوكرانية في جدة    اتفاق على هدنة في أوكرانيا لمدة 30 يوماً    دلالات عظيمة ليوم العلم    1.6 مليون مقعد في قطار الحرمين لنقل المعتمرين    أشادتا في بيان مشترك بمتانة الروابط وأهمية تنمية التبادل التجاري.. السعودية وأوكرانيا تستعرضان جهود تحقيق السلام الشامل    «الداخلية» تزين «طريق مكة» بالجائزة المرموقة    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. صراع مدريد يتجدد.. وأرسنال في مهمة سهلة    نظام الفصول الدراسية الثلاثة.. الإيجابيات والسلبيات على المجتمع والاقتصاد    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    وكيل محافظة الطائف يشارك أبناء جمعية اليقظة الخيرية الإفطار الرمضاني    «كفو».. خارطة طريق لتسويق الأفلام الدرامية    صِدّ عنه وكأنك ماشفته!!    شوارع وميادين مناطق المملكة تتزين بالأعلام احتفاء بيوم العلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عائشة البصري تتناثر بين الأزمنة
نشر في الحياة يوم 01 - 04 - 2017

في مجموعتها القصصية الأولى «بنات الكرز» (الدار المصرية اللبنانية)، تقدّم الشاعرة والروائية والفنانة التشكيلية المغربية عائشة البصري، فكرة الزمن عبر المقاربة بين الأجيال ورصد الحوار في ما بينها. في قصة «الكفن» مثلاً، التي تفتتح بها المجموعة، تنقل البصري وجهة نظر ابنة الأخ التي تتحدث عن عمتها العجوز، تلك التي لا تستأمن ضرّتها على كفنها. العمة العجوز انتظرت حتى أتتها ابنة أخيها، فأحضرت الصندوق الذي وضعت فيه كفنها، وأوصتها بأن تشرف هي على غسلها وتكفينها، لأنّ ضرتها، «تسرق أشياء الميت». وفي النهاية، تموت العمة في مستشفى بعيد، فيتمّ غسلها وتكفينها هناك، وتُدفن من دون أن تمر على بيتها، وبالتالي لا تحقق وصيتها.
في قصة «الوصية»، تشرد الساردة مع أغنية «قارئة الفنجان»، وتتخيل أن والدها الميت يؤنبها على عدم كتابة رواية عن عائلته المكونة من ثلاثة أجيال، فتقنعه أن يهدأ ويدخل إلى المغطس المعطر بالبخور. وحين يطول انتظارها أمام المغطس، تنادي عليه مرَّات، ثم تفتح الباب لتجد كلَّ شيءٍ مرتباً على حاله. من الوهلة الأولى تضعنا عائشة البصري أمام اختصار المسافة والزمن، فلا حدود لديها بين الفيزيقي والميتافيزيقي، لا حدود بين الموتى والأحياء، ولكن يمكن الحديث عن منطقة رمادية يختلط فيها عالم الوعي بعالم الغيب. منطقة تشبه الرحم كما في قصة «كوابيس جنين»، إذ نجد أنفسنا أمام جنين يتخيل نفسه طفلة تائهة في ساحة، بينما شرطي يسحبها من يدها ليسأل عن أهلها، وحين يتقدم منها رجل غريب مدعياً أنه والدها تصرخ وتهرب منه. وبعد سنوات تصبح فتاةً يغازلها شاب، ثم زوجة، ثم سيدة عجوز يخاطبها طفلٌ على أنها جدته، ثم تموت وتنطمر في التراب وحينها تستيقظ في بركة ماء فتحمد الله على أنها ما زالت في رحِم أمها.
هكذا تلعب البصري بالزمن، وكأنّ الأجيال ليست سوى حلقات في سلسلة دائرية. العمر ذاته ليس إلا فقرات تبدأ بظلمة الرحِم وتنتهي بظلمة القبر. والمسافة بين الأجيال ومراحل العمر لا تزيد عن كونها مسافة في عقل سيدة تكتب القصص، تنصت إلى أغنية وتشرد بعقلها في ما حصل ويحصل، ليصبح الموت هو بداية فقرة ونهاية أخرى، بينما ينتفي الميلاد من «بنات الكرز».
في قصة «حين تتوقف ساعة العقل» يتجلى التجاور في دائرية الزمان والمكان والألم الإنساني. ترى الكاتبة في محطة الباص رجلاً عجوزاً يسأل عن الحافلة التي ستجيئه فيها ابنته من الجزيرة الخضراء، ولا أحد يريد أن يجيبه، وفي النهاية تجيء الحافلة فيخبره سائقها أنه لم يمر على الجزيرة الخضراء، فيضع لومه على السائق وشركة النقل ويقرر المجيء في الأسبوع المقبل في الموعد ذاته لانتظار ابنته من جديد. تحكي الراكبة المجاورة للكاتبة في الباص تفاصيل قصة الرجل، مثلما تحكي لها عن اعتيادها لزيارة ابنتها كل أسبوع في الجزيرة الخضراء، ابنتها التي تعاني من حالة عصبية استلزمت دخولها مصحة نفسية، وفشلت والدتها في نقلها إلى مشفى قريب منها، وتسأل نفسها أمام الكاتبة إن كان مصيرها سيكون كمصير هذا العجوز، تأتي إلى المحطة لتنظر مجيئها إليها يوماً ما. اشتملت المجموعة على 19 قصة هي (الكفن، كوابيس جنين، الوصية، تكتيك، تعديل بسيط، رحلة قصيرة، بعد سنوات، حين تتوقف ساعة العقل، مايو، الجثة، لعبة أيام والألوان، غذاء فوق العُشب، عابر الشاطئ، رحلة صيد، لعنة العمر المضاف، من حكايا الرجال، الكثبان، فيلم هندي بالأبيض والأسود، يوم نسيت حذائي في الحلم).
يتضح من العناوين الاتكاء على نوعين من الثقافة اكتسبتهما الكاتبة من ممارستها الشعر والرسم. النوع الأول هو السريالية التي اعتمدتها كتكنيك في سرد بعض القصص، كما في «كوابيس جنين»، و «الجثة» التي تدور حول امرأة استيقظت من نومها لتجد إلى جوارها جثة.
وبعد تصورات كثيرة وأطياف ذكريات عدة، تعرف أنها جثة زوجها، الذي مات مقتولاً، لكننا لا نعرف إن كانت هي التي قتلته أم أن العناية الإلهية هي التي خلَّصتها منه. وفي قصة «بعد سنوات»، حوار بين رجل وامرأة التقيا في حديقة، لكن السرد يوحي أننا أمام زوجين، وأن أحدهما مات قبل الآخر، وأن السيدة ربما فكَّرت في التخلص من ملاحقته لها بإعطائه عنواناً خاطئاً، لكنه مع ذلك تمكَّن من الوصول إليها. النوع الآخر يتمثل في ثقافة اللون، التي تسربت إلى أكثر من قصة، في مقدمها «لعبة الأيام والألوان»، إذ تعطي الكاتبة لكل يومٍ في الأسبوع لوناً معيناً، يعكس انطباعها النفسي عنه. فالأحمر ليوم الاثنين، والأصفر للثلثاء، والأخضر للأربعاء، والخميس رمادي، والجمعة أبيض، والسبت أزرق، والأحد أسود. وفي قصة «غداء فوق العشب»، نجد الكاتبة وقد صارت إحدى شخصيات لوحة للفنان الفرنسي كلود مونيه. لا يتوقف الأمر عند السريالية وثقافة اللون كتيمتين مضافتين إلى السرد، فثمة خيال قوي ساعد الكاتبة على تخيل تجاور العوالم والأزمنة، وثمة لغة مكتوبة بتكثيف واضح، ومجاز شعري في كثير من الجمل، ما يجعل هذه المجموعة تتمتع بخبرة فنية عالية، على رغم أنها الأولى لعائشة البصري في مجال القصة القصيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.