من بين كل أفلامه السينمائية، السريالية منها بالتحديد، كان فيلم لويس بونويل الأخير (ذلك الشيء الغامض من الرغبة)، الذي أخرجه عام 1977، قبل رحيله عن الدنيا بخمس سنوات، هو الأقل غرابة والأكثر متعة في سلسلة أفلامه كلها. تبدأ قصة الفيلم برجل عجوز ينتمي للطبقة البرجوازية وهو يسافر من مدينة مدريد عائداً إلى موطنه باريس عبر القطار، ويلتقي هناك في مقصورته برجلين، وامرأة وابنتها، ويبدأ الرجل بسرد قصته عليهم بعد أن أدهشهم تصرف غريب قام به، وهو سكبه وعاء من الماء على رأس فتاة كانت تطارده حتى لحظة ركوبه القطار!. الفيلم كله يعتمد على هذه القصة التي تدور أحداثها حول هذا العجوز الذي يسعى بشتى الطرق بأن يظفر بقلب فتاة شابة وجميلة، بعمر أبنائه، والتي بدورنا نعرف منذ البداية أنها ليست إلا تلك الفتاة التي طاردته وسكب عليها الماء في القطار، لكن قبل ذلك تبوء محاولاته المستميتة دائماً بالفشل، وأشبه ما تكون بلعبة القط والفأر، إنها قصة صراع بين الرغبة الجامحة في التملك من قبل العجوز، والرغبة التي لا تقل جموحاً للانعتاق والتحرر من قبل الفتاة. شخصية الفتاة يتقاسم بطولتها ممثلتان، وهنا يأتي التجديد أو جنون بونويل، حيث يصور حالة التناقض التي تعيشها الفتاة وتجعلها غير مستعدة للارتباط بذلك العجوز بإسناد البطولة لممثلتين مختلفتين، وغير متشابهتين تماماً، فالأولى بريئة، والأخرى فاتنة، ولهذا السبب ربما، ولغموض هذه الفتاة يزداد انجذاب العجوز البائس بها، من دون تفسير عدا ذلك الشيء الغامض من الرغبة عند كل إنسان، وهو ما يتشدق به بونويل في هذا الفيلم ليرسم لنا عبثية الحياة وغرابتها!. وقد شارك بونويل كتابة فيلمه هذا الكاتب الفرنسي جان كلود كارير الذي اقترن اسمه به في أعماله الأخيرة، مثلما اقترن اسمه، أي بونويل، أيضاً بالفنان السريالي الكبير سلفادور دالي في أعماله الأولى. حكاية الفيلم يسردها لويس بونويل بشكل تقليدي أقرب إلى الواقعية ويغلفها بأحداث عبثية، ويختمها بنهاية سريالية، والمفارقة هنا أن هذه النهاية العظيمة هي آخر ما صورته عدسة بونويل لتأتي وتكمل الدائرة التي صاغها هذا العبقري العجوز، الذي يعتبر من أهم رموز الحركة السريالية، منذ فيلمه الأول السريالي الصافي (كلب أندلسي) عام 1929، ليختم بها مسيرة فنان، لا يكتفى بكونه أهم سريالي فقط، بل ويعد من عظماء الفن السابع عن جدارة.