لا تكاد تذكر شبكات التواصل الرقمي الاجتماعيّة («سوشال ميديا») من دون القفز فوراً إلى بدايتها في الماضي القريب. وآنذاك، حملت تلك الظاهرة اسماً يكاد يغيب راهناً عن الأذهان، هو: صحافة المواطن Citizen Journalism. وحينها، كان المثل الشائع عنها هو أن يمر شخص ما قرب شرطة تقمع تظاهرة، فيرفع المواطن الخليوي ويصوّر الحدث، ثم يرسل الشريط من ذلك الهاتف إلى شبكات التواصل الاجتماعيّة، ومنها إلى وسائل الإعلام. باختصار، صنع المواطن صحافة مرئيّة- مسموعة. لا يقتصر الأمر على الصور. إذ يستطيع الأفراد كتابة نصوص على «ستاتوس» Status ( «الحال») على صفحات «فايسبوك»، أو صفحات «سوشال ميديا» تعبّر عن مؤسّسات إعلاميّة. كما راج كلام كثير عن أن ال «ستاتوس» هو مقال صحافة المواطن، إضافة إلى النقاش عن صدقية تلك «الصحافة». وآنذاك، تعالكت بعض الألسن أحاديث عن ضرورة أن يتغيّر المقال ليصبح شبيهاً بال «ستاتوس»، في قصره وكثافته بل حتى ركاكته! في خطوة لاحقة، برز موقع «تويتر» Twitter. صار النص- المقال لصحافة المواطن هو 140 حرفاً وفراغاً! وظهر من يقول إن «تويتر» يمثّل فرصة ذهبية أمام الصحافة لتمتين التواصل مع جمهورها، وزيادة قاعدة قرّائها. والمعلوم أن «تويتر» يعمل على صنع شبكات «سوشال ميديا» اجتماعيّة، ارتكازاً على تبادل النصوص القصيرة والوصلات الإلكترونيّة. وبذا، تستطيع الصحف استخدام «تويتر» لنشر الوصلات الرقميّة لموادها، ما يضاعف فرص انتشارها ووصولها إلى الجمهور، بالاعتماد على جاذبية تلك المواد. ويخدم هذا الأمر أيضاً القراءة الإلكترونيّة لمواقع الصحف على الإنترنت. وشدّد كثيرون على ضرورة أن تعمد الصحف إلى تسريع خطوات تحوّلها صوب الانتشار الإلكتروني مع التركيز على ال «سوشال ميديا» الرقميّة، على غرار ما سبقتها إليه القنوات الفضائية ومواقعها الإلكترونيّة. واعتبر كثيرون أيضاً أن «تويتر» يقدم خدمة تدوين مُصغّر، إذ يسمح بإرسال رسائل قصيرة لا تزيد عدد حروفها عن 140 حرفاً، ما يعطي الصحف فرصة لاستخدامه في نشر أخبارها السريعة على شكل وصلات إلكترونيّة، كما يتيح للجمهور إعادة نشرها وتبادلها. وظهر موقع «تويتر» في عام 2006 على يد شركة «أوبفيوس» Obvious الأميركية (مقرها مدينة «سان فرانسيسكو»). وانتشر بقوة منذ عام 2007. التكامل بديل للإلغاء لفت البعض إلى أن شبكات ال «سوشال ميديا» لا تلغي وسائل الإعلام العام التقليديّة، خصوصاً الصحافة الورقيّة. كذلك قيل إنّ المحتوى الإعلامي ينمو مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها، وكذلك الحال بالنسبة الى الإعلانات. كما جرى النظر إلى ال «سوشال ميديا» على الإنترنت بوصفها شيئاً يتناسب مع سعي صحافة الورق للتواصل والتفاعل المستمر مع القرّاء، ولتجاوز القيود الثابتة في عملها أيضاً. ونبّه بعض الخبراء إلى أن انتشار الصحف عبر شبكات التواصل الاجتماعي يساهم في تعزيز صورة هذه الصحف أمام قرّائها، كما يُظهر اهتمامها بالحداثة والتطور والتكنولوجيا الإلكترونيّة. وكذلك تنسجم الصورة مع سعي صحافة الورق للوصول إلى الأجيال الشابة التي باتت أيديها تتداول النصوص القصيرة بأنواعها كافة (بل ضمنها تلك التي تمحي بمجرد كتابتها في موقع «سناب شات» Snap Chat)، كما تعتبرها أداة أساسيّة للتواصل في الحياة اليوميّة. وبديهي القول إن هناك من لفت أيضاً إلى قدرة الرسائل القصيرة في موقع «تويتر» على تجاوز حدود الجغرافيا، ما يعطي الصحافة فرصة ضخمة للوصول إلى جمهور متوزّع على دول عدّة. إذن، تعتمد صحافة المواطن على تطوّع أفراد لأداء دور إعلامي، عبر استخدام شبكات اجتماعية متمدّدة أصلاً في الفضاء الافتراضي الرقمي الذي يحتضن ظاهرة «صحافة المواطن» (أيضاً بوصفها جزءاً من ظاهرة «الإعلام العام الجديد» New Mass Media ) في المجتمعات المعاصرة. وفي شكل عام، يستفيد «المواطن الصحافي» من شبكات التواصل الاجتماعي، أكثر من استفادته من تخصيص وسائل إعلام كبرى مساحات تعرض محتوى صحافة المواطن، على نحو ما بات شائعاً في كثير من مؤسّسات الإعلام العام. وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي، تحوّلت الشبكة العنكبوتية منابر لعرض مواد إخبارية ومقاطع مصورة، تنقل الحوادث لحظة وقوعها. وظهرت تجارب عن هذا الأمر تمتد من «تسونامي» جنوب شرقي آسيا في أواخر 2004 إلى أشرطة المواطنين في حراك «الربيع العربي»، بل تشمل حروبه المتمادية والمأسوية أيضاً. وظهرت أشكال عدة من «صحافة المواطن» الرقميّة التي يعتبرها البعض من أنجح تجارب الصحافة الشعبية، خصوصاً عند مقارنتها بنظيراتها في الوسيط الورق. الإلكتروني يربط الورق بالتلفزة لنتأمل الأمر مجدداً. ماذا لو وُضِعَت «صحافة المواطن» المستندة إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ضمن سياق ظاهرة يشار إليها بمصطلح «الصحافة الإلكترونيّة» Electronic Journalism. يتألف ذلك المصطلح من كلمتين متنافرتين. إذ تصف الأولى وسيلة إعلامية رافقت الطباعة ورقياً، فيما تتحدث الثانية عن وسيط «ميديا» بات مهماً بعد انتشار الكومبيوتر. ما هي العلاقة بين الكلمتين؟ الإنترنت والشبكات الرقميّة العالمية، لولاها لما وجدت هذه الصحافة. وفي اتجاه مُشابِه، يجري الحديث عن صحافة تلفزيونية. مرّة أخرى، تأتي الصفة من وسيط إعلامي هو التلفزيون. ثمة انطباع أولي بأن التلفزة تسير على خطى صحافة الورق وتشبهها كثيراً، بحيث يكفي الوسيط المستخدم لوصف الفارق بين صحافة الورق (جرائد، مجلات...) والإعلام التلفزيون (محطات محليّة، أقنية الكابل، الأقنية الفضائيّة، أقنية التلفزة على الإنترنت...). واستطراداً، تحتاج الصحافتان إلى مؤسّسات لصنعها، وهذا أمر له إملاءات متشابكة. وحاضرًا، يتّجه الوسيط المرئي- المسموع لأن يكون رقمياً من الناحية التقنية، ما يعني أن الفارق لا يكمن في التكنولوجيا، أقلّه لحد الآن. والأرجح أن تجربة ناجحة ك «نتفليكس» كفيلة بنقل النقاش إلى مستوى آخر.