يطرح كثر سؤالاً مقلقاً عن العلاقة بين الشبكات الرقميّة للتواصل الاجتماعي من جهة، و «صحافة المواطن» التي بات الحديث عنها أقل سطوعاً مما كانه قبل سنوات قليلة. المفارقة، أن «صحافة المواطن» نبتت في قلب ال «سوشال ميديا»، لكن الحديث عن الأخيرة تصاعد في صورة مذهلة، فيما خفت تداول مصطلح «صحافة المواطن» إلى حدّ كبير جداً. في مناحٍ كثيرة، يستند عمل «صحافة المواطن» إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ما يعني أنها تندرج تعريفاً ضمن ال«سوشال ميديا». إذ تكتظّ تلك الشبكات بالمواد التي تؤدي وظائف إعلاميّة شتى، ما يغري المنخرطين في «صحافة المواطن» بالاعتماد عليها. وفي ماضٍ ربما صار بعيداً، ظهر رأي يقول أنه يكفي تعليم الناس استعمال الكومبيوتر، والدخول الى الإنترنت، وصنع صفحة لأنفسهم أو صفحات على الشبكات الاجتماعيّة، يزينوها بالرسوم والصور وأشرطة الفيديو، نعطي لكل شخص صحافة! تصل الصحف الى الجمهور توزيعاً، بل تسعى إليه. ولا تلجأ المُدوّنات الإلكترونيّة «بلوغز» إلى ذلك السعي. وعندما تقرأ صفحة على شبكة اجتماعيّة، يصنع الموقع نسخة عنها ويرسلها إليك مباشرة. أنت كقارئ تصل أولاً، ثم تأتي نسخة مما تقرأه إليك، وهو صورة تعاكس كليّاً ما يحصل في حال صحف الورق. هناك فارق آخر يتعلّق بالبرمجة أيضاً. تصدر الصحف يومياً، محكومة بدوران الشمس وعقارب الساعة. لا ينطبق وصف مماثل على مُدوّنات ال «بلوغز»، ولا على الأشكال الأخرى من «صحافة المواطن». ليس بالكلمات وحدها بقول آخر، هناك حدود متلاعبة في الفارق بين صحافة الورق وصحافة المواطن التي تساندها شبكات ال «سوشال ميديا». وبعد تأمّل، من يستطيع القول ببساطة أن من يقدر أن يكتب على صفحة في شبكة اجتماعيّة هو... صحافي؟ هل يصبح مجموع الكتابة على صفحات اجتماعيّة، ما يمكن تسميته صحافة حقّاً؟ هدف تلك الأسئلة الكثيرة، الإشارة الى صعوبة أصيلة في تعريف ظاهرة «صحافة المواطن»، مع التنبّه الى أن هذه التجربة ما زالت في بداياتها نسبيّاً، لكن مصيرها ومسارها مرتبطان كليّاً بمآل شبكات ال «سوشال ديجيتال ميديا». في المقابل، ليس من خلاف كبير على تعريف الوجود الرقمي لصحف الورق على الشبكات الرقميّة، بأنه «صحافة إلكترونيّة»، مع استدراك أن الصحافة الإلكترونيّة ليست مجرد عرض لصحف الورق في الوسيط الرقمي! ولا تكفي التقنية للإحاطة بتلك الحدود المتلاعبة، ولا لوصف العلاقة بين صحافتي الورق وتلك المستندة إلى شبكات «الإعلام الاجتماعي الرقمي». هناك من يسير في اتجاه معاكس تماماً. ثمة مؤسسات «تقلّد» شكل الصحف، في الأبواب ونوعية الكتابة وطرق العمل، وتضعه على الإنترنت، من دون أن تمتلك صحيفة ورق. وكثيراً ما يوصف ذلك بأنه صحافة إلكترونيّة، بل ينعقد شبه اتفاق على ذلك الوصف! هل أن مثل تلك الممارسة تصف ظاهرة «الصحافة الإلكترونيّة» فعليّاً، بمعنى أنها تعريف يحيط بمكوّنات ظاهرة ال «صحافة الإلكترونيّة»، وكذلك يمنع تداخلها مع أشكال أخرى من ال «سوشال ديجيتال ميديا»؟ هل يجب أن تنقل طقوس الصحافة وطابعها المؤسساتي إلى الفضاء الافتراضي الرقمي (مع اغتراف بعض التقنية) كي ينطبق الوصف عليها؟ هناك حدود أخرى في هذه اللعبة التي لا تكفّ عن التحرّك. مع ظاهرة «التلاقي الرقمي» («ديجيتال كونفرجانس» Digital Convergence) تبرز أمور أخرى. إذ تتقاطع التلفزة ووسائلها، مع الاتصالات ومزاياها، إضافة الى الكتابة الإلكترونيّة، كي تصنع «مادة» إعلاميّة رقميّة. هل يصبح التلاقي الرقمي من الخطوط الرئيسية التي ترسم «صحافة المواطن»؟ كيف يؤثّر الأمر في تطوّر شبكات ال «سوشال ميديا» التي هي النبع والمصدر في «صحافة المواطن»؟ مجرد سؤال، لكن إجابته ليست بالسهولة التي ربما تظهر بها!