حرّكت دراسة نشرها المؤرّخ ماركورت هرزوغ عن ضلوع نادي بايرن ميونيخ في دعم النازية أو مقاومتها، مياهاً راكدة في أوساط كرة القدم الألمانية خصوصاً والرياضة عموماً، لا سيما أن هذا الجانب من التفاعل الاجتماعي إبان فترة الحرب العالمية الثانية وقبلها خلال الأعوام التي شهدت شيوع النازية وصعود نجم أدولف هتلر، بقي طويلاً بعيداً من الأضواء. فبعد تناول هرزوغ تلك الحقبة في كتاب أعدّه عن الحركة الرياضية خلال الفترة النازية، أورد في جزء رئيس من دراسة نشرتها مجلة «در شبيغل» أخيراً، معلومات ووثائق من أرشيف النادي ودوائر أخرى تدحض سيرته المقاومة للنازية ومعاداة السامية، وتفيد بأنه أبعد الأعضاء اليهود بين العامين 1933 – 1935، وضمّن نظامه فقرات عن العنصر الآري الصافي، علماً أن الأمور أخذت شكلها الدرامي ضد اليهود في ألمانيا بدءاً من عام 1940. كما يخالف هرزوغ في ما نشره قصصاً مألوفة عن بطولات بايرن في مواجهة النازية، ومنها رفض إدارته تذويب الكؤوس بطلب من هيرمان غورينغ، مؤسس الجهاز السري (غستابو) وقائد سلاح الجو، للمساهمة في المجهود الحربي. واتهم أنصار النادي البافاري «در شبيغل» بنشرها مزاعم لا أكثر، سعياً إلى رفع المبيعات. في حين لم يصدر ردّ فعل عن الطائفة اليهودية في ميونيخ التي كانت تعتبر منبع الشيوعيين قبيل صعود نجم هتلر وحزبه، الذين واجهوا النازيين في ما يشبه حرباً أهلية وقتذاك. وإذا كان تاريخ كرة القدم الألمانية في عهد النازيين بقي في منأى من الدراسة والتحليل حتى تسعينات القرن ال20، فإن «عملاق البوند سليغه» الذي تأسس في عام 1900، شكّل لجنة تحقيق وتقصٍ «من أجل الحقيقة». والمعروف أن التاجر اليهودي الثري كورت لاندور ترأس النادي على مراحل بين العامين 1913 و1951، وفي عهده أحرز لقب الدوري الألماني للمرة الأولى عام 1932، بفضل مدرّبه الأسطوري ريتشارد دونبي ومسؤول قطاع الناشئين أوتو بيير، والاثنان يهوديان أيضاً. علماً أن وصول هتلر إلى الحكم كبح جماح لاندور الرؤيوي المساهم في جعل كرة القدم اللعبة الشعبية في أوساط الشباب والطبقة العاملة بين الحربين العالميتين. فقد استقال لاندور في آذار (مارس) 1933، وبعدما أمضى شهرين في معسكر اعتقال في داخاو، لجأ إلى سويسرا. وتفيد وقائع بأنه حضر مباراة لبايرن مع منتخب سويسرا في تشرين الثاني (نوفمبر) 1943 في زوريخ، فحظي بتحية من لاعبيه القدامى تحت أنظار رجال الغستابو، ما عدّ لفتة مقاومة صريحة. ولم يعد لاندور إلى ألمانيا إلا في عام 1947، فاستعاد زمام الأمور في النادي، في إطار موجة الديموقراطية والحرية و «الرياح الأميركية». واللافت أن لاندور كان منسياً في أروقة بايرن، ويكشف رئيسه التنفيذي كارل هاينتس رومينيغه أنه لعب في صفوف الفريق البافاري 10 أعوام (1974– 1984) «ولم أسمع يوماً أحداً يلفظ اسمه»، إلى أن طلبت رابطة المشجعين من مؤرّخين في عام 2009 التنقيب في سجلات النادي والمدينة ونبش ما يوجد عن لاندور. واحتفلت عام 2014 بذكراه واللقب الأول للنادي، وترافق ذلك مع إنتاج فيلم سينمائي عن مسيرته حمل عنوان «عزيزي الرئيس». ووسط هذا التضارب في المعلومات، يدحض مؤرخون محايدون قصص بطولات خارقة لبايرن في عهد هتلر، لكنهم يجزمون بأن نسبة النازية في صفوفه كانت أقل من تلك السائدة في «ميونيخ 1860» الذي عدّ نادي العهد. غير أن المؤكّد حتى الساعة أن بايرن لم يكن أفضل من أندية ألمانية أخرى أو أسوأ منها، إذ كان عليه أن يراعي واقع الحال ميدانياً ويتأقلم قدر الإمكان مع الظروف السائدة، وهذا في نظر كثر منتهى البطولة.