أجّج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نزاعاً مع برلين، إذ اتهمها بالتصرّف مثل «النازيين»، بعد إلغاء ألمانيا تجمّعَين سياسيَين لأتراك مقيمين على أراضيها، كان مقرراً أن يتحدث خلالهما وزيران تركيان. واتسعت «المواجهة» مع أنقرة، إذ دعت النمسا إلى فرض حظر يشمل دول الاتحاد الأوروبي، على مشاركة ساسة أتراك في حملات مؤيّدة للتصويت على تحويل النظام في تركيا رئاسياً، أثناء استفتاء تُنظّمه الشهر المقبل. كما بات الأمر موضع مزايدة انتخابية في هولندا، بين الحكومة الليبرالية والمعارضة اليمينية المتطرفة. لكن التوتر لم يمنع مشاركة وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبقجي أمس، في تجمّعين للجالية التركية في كولونيا وليفركوزن، غرب ألمانيا التي يقيم على أراضيها حوالى 3.5 مليون تركي، يحقّ لحوالى 1.4 مليون منهم الاقتراع في الاستفتاء. وكان وزير العدل التركي بكير بوزداغ ألغى الخميس الماضي لقاءً مقرراً مع نظيره الألماني هايكو ماس، بعدما سحبت السلطات المحلية في جنوب غربي ألمانيا ترخيصاً لتنظيمه تجمّعاً قرب الحدود الفرنسية، يحضّ الأتراك المقيمين على أراضيها على تأييد النظام الرئاسي. واعتبر بوزداغ أن المنطقة التي ألغت الترخيص «تخضع لضغوط كبرى من إرهابيين»، في إشارة إلى أنصار «حزب العمال الكردستاني»، أو مؤيّدي الداعية المعارض فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بأنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) الماضي. وأجرت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل السبت اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، يأتي في سياق اتصالات أجراها وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو لترطيب الأجواء المتشنجة، علماً أن الوزيرين سيلتقيان في برلين بعد غد. وكتب غابرييل مقالاً في صحيفة «بيلد أم زونتاغ» الألمانية، ركّز على الصداقة بين برلينوأنقرة، مستدركاً أن العلاقات «تجتاز الآن امتحاناً صعباً، لكننا نجد أن من الأفضل عدم ترك الخلافات تفرّق بيننا». في إسطنبول، قال أردوغان إن ألمانيا «لا تسمح لأصدقائنا بالكلام»، متسائلاً: «هل تعتقدون بأن ذلك سيجعل الأصوات في ألمانيا تخرج لا بدل نعم» في الاستفتاء؟». وأضاف خلال تجمع نسائي مؤيّد للنظام الرئاسي: «يا ألمانيا، لا علاقة لك بالديموقراطية، ويجب أن تعلمي أن تصرّفاتك الحالية لا تختلف عن ممارسات النازيين. اعتقدتُ أن ألمانيا تخلت منذ فترة طويلة عن (هذه الممارسات). لكنني كنت مخطئاً». وخاطب الألمان قائلاً: «تعطوننا دروساً في الديموقراطية، ثم تمنعون وزراءنا من إلقاء كلمات هناك. وعندما نقول ذلك ينزعجون. لماذا تنزعجون؟». وأضاف: «سنتحدث عن تصرّفات ألمانيا في المحافل الدولية، وسنحرجهم أمام العالم. لا نريد أن نرى العالم النازي مرة أخرى، ولا أن نرى تصرّفاتهم الفاشية». وعلّقت يوليا كلوكنر، نائب رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي الذي تتزعمه مركل، معتبرة أن أردوغان يتصرّف مثل «طفل عنيد». ورأت أن «المقارنة بالنازية مستوى جديد من الغلوّ»، وطالبته باعتذار، وزادت: «لا يصحّ لسياسي أن يتحدث بمثل هذه المصطلحات». وكان أردوغان وصف مراسل صحيفة «دي فيلت» في تركيا، الألماني- التركي دنيز يوجيل الذي سجنته أنقرة بتهمة «دعاية إرهابية»، ب «عميل ألماني». وأوردت الصحيفة أن يوجيل يعتبر أن حبسه انفرادياً في تركيا «أقرب ما يكون لنوع من التعذيب»، مستدركاً أنه «يُعامل في شكل جيد». واتخذت الأزمة بين برلينوأنقرة بعداً أوروبياً، إذ دعا المستشار النمسوي كريستيان كيرن إلى «ردّ جماعي من الاتحاد الأوروبي على مثل هذه الأحداث في الحملة» التركية، معتبراً أن ذلك سيتيح «لدول مثل ألمانيا حيث تُحظّر هذه التظاهرات»، أن تتخلّص «من ضغوط تمارسها تركيا». وحضّ على «إعادة توجيه العلاقات مع تركيا، من دون وهم انضمامها إلى الاتحاد الذي ابتعدت عنه خلال السنوات الماضية». كما اتهمها ب «دوس حقوق الإنسان والقيم الديموقراطية ومبادئ دولة القانون»، معتبراً أن «حرية الصحافة كلمة دخيلة» على قاموسها. في هولندا التي تنظّم انتخابات نيابية في 15 الشهر الجاري، أعلن رئيس الوزراء مارك روتي أن حكومته تدرس «كل السبل القانونية لمنع زيارة» مرتقبة لجاويش أوغلو هذا الأسبوع، للمشاركة في تجمّع تركي في روتردام، تأييداً لأردوغان. ورأى أن التعديلات الدستورية المقترحة في تركيا تأخذها «في اتجاه أقل ديموقراطية»، وزاد: «نعتقد بأن الفضاء العام الهولندي ليس مكاناً مناسباً لحملات سياسية تنظمها دول أخرى». وندّد النائب الهولندي غيرت فيلدرز، رئيس «حزب الحرية» اليميني المتطرف، بمشاركة جاويش أوغلو في التجمّع، معتبراً الأمر «تدخلاً في شؤوننا الداخلية». وأضاف: «لو كنت رئيساً للوزراء لأعلنت جميع أعضاء الحكومة التركية أشخاصاً غير مرغوب فيهم لشهر أو اثنين، أقله إلى ما بعد الاستفتاء، وما كنت لأسمح بمجيئهم».