أعلنت ميليشيات الحوثي الأحد الماضي امتلاكها 4 أنواع من «الطائرات المسيرة»، وقالت خلال افتتاح رئيسي المجلس السياسي وحكومة الانقلاب ما أسمته «المعرض الأول للطائرات المسيرة»، أن دائرة التصنيع العسكري التي تسيطر عليها، صنعت ثلاث طائرات من دون طيار تقوم بمهمات الاستطلاع هي «هدهد1، راصد، ورقيب»، والطائرة الرابعة «قاصف 1» وهي هجومية. الحدث استقبله أتباع الميليشيات بالتهليل والتهويل، وأخذ إعلامها يعدد القدرات التصنيعية الخارقة التي بلغتها، ويمجد زعيمها عبدالملك الحوثي القابع في كهوف محافظة صعدة شمال اليمن، وبأنه حقق المعجزات وأوفى بما وعد، بينما يرى آخرون في طائرات الحوثي، دليلاً قاطعاً على تدفق السلاح الإيراني للميليشيات، بخاصة أن الجيش اليمني أسقط في وقت سابق طائرة من دون طيار إيرانية الصنع. وتعتقد مصادر عسكرية يمنية أن مهندسين عسكريين يعملون في صفوف الحوثيين، تم تدريبهم من قبل خبراء تابعين لحزب الله وإيران، على تركيب أجزاء هذا النوع من الطائرات، والتي وصلتهم ضمن الأسلحة المهربة كقطع غيار، وقالت المصادر التي تحدثت إلى «الحياة»، إن «تصنيع هذه الطائرات يحتاج إلى بنية تحتية متكاملة واختصاصات مختلفة، وهو الأمر الذي لا يتوافر حتى اللحظة في اليمن»، وأكدت المصادر أن الحوثيين حصلوا على هذا النوع من الطائرات، مثلما حصلوا على الزوارق البحرية المسيرة، وهو ما أكده الأميرال كيفن دونجيان نائب قائد الأسطول الأميركي الخامس، في مقابلة مع مجلة «ديفنس نيوز»، مؤكداً أن الهجوم على الفرقاطة السعودية في البحر الأحمر تم بواسطة «قارب انتحاري مسير عن بعد» مملوء بالمتفجرات، ما يظهر «وجود دعم خارجي للحوثيين». غير أن الأهم في نظر المصادر أن هذه الطائرات «لا تمثل قيمة حقيقية في الحروب، ولا يمكنها أن تصنع نصراً، أو ترجح كفة الطرف الذي يمتلكها، بالنظر إلى محدودية دورها الذي يتركز في الغالب على التصوير والمراقبة وتحديد الأهداف، إلى جانب استخدامها لتنفيذ هجمات ضد أهداف محددة، بالطبع دورها مهم ولكنه لا يعد حاسماً، ويمكن تعقبها وإسقاطها»، مشيرة إلى أن النوع الذي عرضه الحوثيون من هذه الطائرات «يباع بأسعار زهيدة لا تتجاوز مئات الدولارات». مراقبون للتطورات السياسية والعسكرية في اليمن، يرون أن ميليشيات الحوثي تهدف من وراء الإعلان عن امتلاكها طائرات من دون طيار، إلى «إيصال رسائل للداخل اليمني أكثر من الخارج لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، أولها رفع الروح المعنوية في أوساط مسلحيها، بعد الانتكاسات الكبيرة التي منيت بها الميليشيات على يد قوات الجيش اليمني ودول التحالف في مختلف الجبهات، لا سيما في محافظة صعدة معقل الحوثيين، الواقعة على الحدود مع المملكة العربية السعودية، والساحل الغربي لليمن الممتد من باب المندب والمخاء في الجنوب الغربي وحتى منطقة وميناء ميدي شمالاً». ويؤكد المراقبون في أحاديث إلى «الحياة» أن الهدف الثاني وهو الأهم، يتمثل في «إزالة الصورة السلبية التي ارتسمت لزعيم المتمردين الحوثيين في أوساط اليمنيين عموماً وأتباعه خصوصاً، نتيجة خطاباته العديدة التي كان يتحدث فيها عن الخيارات الإستراتيجية، والمفاجآت التي تمتلكها الميليشيات التابعة له، والتي لم يلمسها اليمنيون على أرض الواقع، وآخر تلك الخطابات وأكثرها سخرية إخراج الحوثي خلال خطابه ولاعة السجائر من جيبه، وقال إنه سيواجه بها مدرعات ودبابات الجيش اليمني وقوات التحالف العربي، ما أظهره أمام المشاهدين كطفل مغامر ومستهتر لا يجيد تقدير الأمور، ولا يحسن اختيار الوسائل والأدوات والمفردات التي يسعى من خلالها لإيصال رسائله». ويتمثل الهدف الثالث وفق المراقبين في «تسويق المبررات للفساد الذي يمارسه أتباعه في مختلف مؤسسات الدولة، واستيلائهم على الإيرادات العامة من الضرائب والجمارك والواجبات وعائدات المشتقات النفطية في المحافظات الخاضعة لسيطرة الميليشيات، والتي لا تورد إلى خزينة الدولة في البنك المركزي، بحجة الإنفاق على التصنيع الحربي»، وهو ما أكده وزير المالية في حكومة صنعاء المشكّلة من قبل الانقلابيين صالح شعبان، خلال لقائه أخيراً القيادات المالية في مختلف مؤسسات الدولة، بقوله إن الحرب الدائرة في اليمن فرضت على الدولة اقتحام مجال الصناعات العسكرية، وهو ما يحتاج أموالاً كبيرة. إعلان ميليشيات الحوثي امتلاكها طائرات من دون طيار، أشعل مواجهات ساخنة على مواقع التواصل الاجتماعي بين المنتقدين والمدافعين، حيث كتب نبيل الصوفي الصحفي الخاص بالرئيس السابق علي عبدالله صالح على صفحته في «فيسبوك» رسالة موجهة لزعيم المتمردين الحوثيين، قال فيها إنهم سبق «أن أقنعوا علي صالح قبل عشر سنوات أن يدرج في برنامجه الانتخابي، توفير كهرباء لليمن بالطاقة النووية»، ما كلف خزينة الدولة يومها مبالغ كبيرة، وتابع: «اليوم، وأنا أقرأ لوحة مكتوب عليها «المعرض الأول للطائرات المسيرة»، شعرت بالقلق من أن المقصود هو جيبك أنت، فهو ربما الجيب الوحيد الذي لا يزال فيه بعض ملايين يمكن التحايل عليها». وأكد الصوفي وهو يوجه خطابه للحوثي «لا أعتقد بأن لنا شيئاً منها سوى كلمة «مسيرة»، بديلاً عن كلمتي «بلا طيار»، أما غير ذلك فهذا النوع من الطائرات تستخدمها القنوات التلفزيونية اليوم لمرة واحدة، فقيمتها أقل من 600 دولار، ولا علاقة لها بالحروب»، وكان يمكن استخدامها للاستطلاع في حال بقي أمرها في إطار السرية... أما الآن فقد عملوا لها معرض ولوحة زرقاء وزارها كبار الناس في صنعاء، ولذلك يمكنهم إسقاطها «برشاشات المياه والصابون»، ولفت الصوفي إلى أن مثل هذا الإعلان «ينفع وقت انتخابات أما في الحرب فهذه كارثة محققة». انتقاد الصوفي دفع العديد من صحفيي ونشطاء الميليشيات الحوثية لمهاجمته، واتهامه بالعمل على «تسخيف الإنجازات»، وقال القيادي الحوثي عبد الرحمن الأهنومي، إن الصوفي «ليس غبياً بما يكفي ليعمل على تسخيف الانتصارات والإنجازات بدون وعي، بل على العكس من ذلك»، وأكد أن تناول الصوفي لموضوع الطائرات من دون طيار «يضعه في دائرة الشك». ومثلت طائرات الحوثي مجالاً خصباً للسخرية والتندر من قبل اليمنيين وبخاصة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سخر وزير الثقافة السابق خالد الرويشان من إعلان حكومة الانقلاب تصنيع طائرات من دون طيران، وقال الرويشان في منشور له على صفحته في «فايسبوك» أن «التاريخ لا يضحك إلا كل ألف سنة، لكنه هذه المرة سيموت من الضحك»، وتابع معلقاً على صورة رئيسي الحكومة والمجلس السياسي بن حبتور الصماد وهما بجوار الطائرة المزعومة، «طيارات بدون طيار... وطيارون بدون طائرات». أما القيادي السابق في ميليشيات الحوثي علي البخيتي، فقال في تغريده له في «تويتر» إن «طائرة الحوثيين لم تكن فضيحة فقط بل دلت على غباء وراثي»، وأضاف مخاطباً الحوثيين «تعرضون طائرات وأنتم تعرفون العم غوغل لكم بالمرصاد يا كهنة» مشيراً إلى أن «فضيحة الحوثيين عن صناعتهم لطائرة بدون طيار تظهر أن الجماعة لم تعد تبالي بشيء مطلقاً، ولا تستحي من شيء، كسرت كل حواجز الوقاحة والاستغلال، وأنهم يفتتحون كراتين صناعة الطائرات الصينية، باعتبارها صناعة وطنية». وربط العديد من الصحفيين وناشطي وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة ساخرة، بين انقطاع مرتبات موظفي الدولة للشهر السادس على التوالي، وبين صناعة الحوثيين طائرات من دون طيار، وقال الصحفي عمر الحياني «نظراً إلى التطورات التي وصلتها اليمن فقد قررت حكومة بن حبتور توزيع رواتب الموظفين بواسطة طائرات من دون طيار لتخفف على الموظفين عبء الطوابير أمام مكاتب البريد»، وقال إبراهيم العبيدي «صنعوا طائرات من دون طيار حتى لا يعجزوا عن صرف رواتب الطيارين»، فيما قال الدكتور عبدالكريم الوصابي «لقد صنعوا موظف بدون راتب منذ ستة أشهر»، أما عبدالملك الربيعي فقال «الناس جياع وأنتم تبيعون الوهم».