اصطدمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرة الأولى بالفيتو الروسي في مجلس الأمن، إلى جانب فيتو مماثل من الصين، بعدما أسقطت موسكو وبكين مشروع قرار أعدته واشنطن وباريس ولندن كان يهدف إلى فرض عقوبات على كبار الضباط العسكريين والأمنيين السوريين، في ضوء التحقيق الدولي الذي أثبت أن القوات السورية استخدمت أسلحة كيماوية. وحصل مشروع القرار على الحد الأدنى من الأصوات الذي يمكّنه من الصدور، أي 9 أصوات من أصل 15، لكن الفيتو المزدوج الروسي- الصيني منع مجلس الأمن من تبنّيه. وصوت مع القرار إلى جانب الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا، كل من السويد وإيطاليا واليابان والسنغال وأوكرانيا والأوروغواي، وامتنع كل من مصر وأثيوبيا وكازاخستان عن التصويت، وصوتت بوليفيا ضد القرار في جانب روسياوالصين. وجاءت جلسة مجلس الأمن في وقت دعا نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، إلى وضع «مكافحة الإرهاب» كأولوية على جدول أعمال المفاوضات الجارية بين الحكومة والمعارضة السوريتين في جنيف. وقال إثر لقائه الوفد الحكومي السوري المفاوض: «أعتقد أنه لا يجب تجاهل قضية الإرهاب في مسار المفاوضات». إلا أن الناطق باسم وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» سالم المسلط، أكد ل «فرانس برس» أن «موضوع الإرهاب لا يحتاج إلى مفاوضات»، معتبراً أن الحكومة السورية «تماطل» لعدم البحث في الانتقال السياسي. وبالعودة إلى جلسة مجلس الأمن، استخدمت روسياوالصين خطاباً متشابهاً في كلمتيهما بعد التصويت بالفيتو، يقوم على الدعوة إلى «منح مفاوضات جنيف الفرصة»، فضلاً عن التشكيك بنتائج التحقيق الدولي، والتذكير باستخدام الولاياتالمتحدة مسألة أسلحة الدمار الشامل «لشن حرب لا تزال تعاني المنطقة تبعاتها». وردت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة نيكي هايلي، على الفيتو المزدوج معتبرة أن الولاياتالمتحدة «لن تنسى المعاناة التي سببتها هذه الأسلحة» الكيماوية في سورية. وأضافت: «أقول للزملاء في روسيا إن هذا القرار (الذي سقط بالفيتو) مناسب تماماً وهو يوم مؤسف في مجلس الأمن عندما يبحث أعضاء في الأممالمتحدة عن تبريرات لأعضاء آخرين يجعلون العالم أكثر خطورة»، معتبرة أن روسياوالصين «غضتا الطرف عن الضحايا، ووضعتا الأهمية لنظام الأسد قبل أولوية السلم والأمن» الدوليين. وقالت إن روسياوالصين شاركتا في إنشاء آلية التحقيق الدولية في مجلس الأمن بقرار صدر عنه، لكنهما لم «تُعجَبا بنتيجة التحقيق على رغم أن الأسد، وبكل عجرفة، لا يزال يستخدم هذه الأسلحة». وأكدت أن الولاياتالمتحدة «ستتعاون مع حلفائها» لفرض عقوبات على المزيد من الأسماء في نظام الأسد. وقال نائب السفير الروسي فلاديمير سافرونكوف، إن استنتاجات لجنة التحقيق الدولية «لم تتضمن أدلة مقنعة يمكن على أساسها قبول ادعاءات» استخدام الحكومة السورية أسلحة كيماوية، فيما استخدمت مجموعات مسلحة أخرى أسلحة كيماوية ضد القوات السورية. وقال إن طلب الحكومة السورية إجراء تحقيقات إضافية في شأن هجمات بهذه الأسلحة «ألقي في القمامة»، معتبراً أن مقدمي مشروع القرار «استخدموا لجنة التحقيق لأغراض سياسية تهدف إلى الإطاحة بالنظام» في سورية. وأضاف أن لجنة التحقيق «استخدمت حقائق مغلوطة قائمة على شهادات شهود مشكوك فيها، لا أدلة مقنعة وعلمية»، ودعا إلى إعطاء الحكومة السورية مهلة لإنهاء تحقيقاتها الوطنية في شأن هجمات بأسلحة كيماوية. واستخدمت فرنسا للمرة الأولى في المجلس تعبير «الخط الأحمر»، إذ قال سفيرها فرانسوا ديلاتر إن من ثبت أنهم استخدموا الأسلحة الكيماوية قد «تجاوزوا الخط الأحمر»، مشدداً على ضرورة «صيانة النظام الدولي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل». وقال السفير البريطاني ماثيو ريكروفت، إن الفيتو «سيشجع تنظيم داعش على استخدام الأسلحة الكيماوية، وهو ما تدعي روسيا أنها تعارضه وتحذر منه». وأضاف أن على كل أعضاء المجلس أن يتحدوا في منع استخدام أسلحة كيماوية «لكي نظهر معاً أننا نعني ما نقول حين نقرر في المجلس أن استخدام هذه الأسلحة ستترتب عليه تبعات، وقد تم بالفعل إثبات أن النظام استخدم هذه الأسلحة» في تحقيق لجنة الأممالمتحدة. وقال المندوب الصيني في مجلس الأمن لوي جيي، إن «الحديث عن أن الهدف من مشروع القرار هو حماية الشعب» السوري «إنما هو نفاق»، مشيراً إلى أن المحادثات الجارية في جنيف تستدعي «التزام المجتمع الدولي الحل السياسي وتشجيع الأطراف في سورية على الحفاظ على وقف النار والإبقاء على الحوار لإيجاد مخرج مقبول من جميع الأطراف».