الاثنين 18/10/2010: الزيارة يزورني حاملاً قلقه، ضباباً رمادياً يلف وجهه المليح، يخفيه، يخفي ابتسامة طالما سعدت باستحضارها. هذا القلق لي فمن أين جاءه؟ تلك البلاد البعيدة حيث يسكن، ظنناها للشفاء، لعمل واضح وتسليات لا تعوقها تراثات ومصالح. لتلك البلاد قلقها أيضاً أو أن وضوحها يحفر عميقاً، يستحضر طبقات القلق المنسية. ليست الزيارة لطمأنينة متبادلة. انها اعتراف بحقيقة القلق أين ما كانت الإقامة. هي لعنة الأصول تحملها الأحقاب في أثواب متعددة الزي واللون. ولا تنتهي الزيارة في ساعة محددة. كانا معاً في صالون البيت. توجه الأب الى خزانة غرفة النوم ليحضر ورقة قديمة، وصية تسلمها من ابيه ويريد تسليمها الى ابنه. حملها وعاد الى الصالون فلم يجد الابن الزائر. لا تنتهي الزيارة في ساعة محددة، تنتهي فجأة وبلا وداع. الوصية في يد الأب ولا من يتسلمها. زيارة واحدة تكفي لتأكيد الانقطاع لا لتنظيمه والتحايل على الجغرافيا. «لا تربوا أبناءكم على ما أنتم عليه فقد ولدوا لزمان غير زمانكم» قال علي بن أبي طالب، وأكد من بعده جبران خليل جبران «أبناؤكم ليسوا لكم، أبناؤكم أبناء الحياة». على رغم ثورة الاتصالات تنقطع الاتصالات. يتشوق الأبناء الى العصور الوسطى حين كان الأهل يضيعون أبناءهم أو بعض أبنائهم في صخب الحرب والنزوح. يولد الابن ابناً لنفسه لا لأب وأم. لا يحمل وصية. يتنصل ليعيش حراً في أرضه الجديدة. الثلثاء 19/10/2010: الشعر والحزب صدر للشاعر السوري نذير العظمة كتاب جديد في عنوان «أنا والحداثة ومجلة شعر» (دار نلسن - السويد - لبنان)، وفيه يستعيد العظمة ملابسات انشاء مجلة «شعر» في بيروت عام 1957، وتأثيرها العميق في مسار الحركة الشعرية العربية الحديثة، على رغم خصومة مع مجلة «الآداب» (صاحبها ورئيس تحريرها سهيل ادريس) ذات الاتجاه القومي العربي التي ناهضت «شعر» واتهمت معظم شعرائها بالانتماء الى الحزب السوري القومي الاجتماعي وتلقي توجيهاتها منه (كان الحزب آنذاك حليفاً للرئيس اللبناني كميل شمعون ومتحملاً عبء اغتيال عدنان المالكي في دمشق وسائراً الى مناهضة الناصرية وامتداداتها مع الوحدة المصرية - السورية). جديد نذير العظمة ان شعراء مجلة «شعر» المؤسسين كانوا طالعين من معطف انطون سعادة الحداثوي، لكنهم ليسوا في موقع الملبي طلبات قيادة الحزب في الشأن الأدبي والشعري، بل انهم عانوا من تصدي قيادة الحزب لهم ولتمردهم في هذا الشأن باعتباره اختياراً فنياً فردياً حراً وليس اندراجاً في أيديولوجية تطاول شؤون الحياة كلها، أو تدعي ذلك على الأقل. يكتب نذير العظمة: «لعبت الخصومة ما بين مجلتي «الآداب» و «شعر» دوراً بارزاً في تثبيت التهمة على «شعر» وانتمائها السياسي مجاراة للقوميين والماركسيين العرب الذين كانوا يتخذون من «الآداب» منبراً لهم. فضرب على مجلة «شعر» حصار حال دون انتشارها رسمياً في المدن العربية، لكنها كانت تهرّب في شكل مستمر(...)». كان ما يؤرق فكر أعضاء مجلة «شعر» هوية الشاعر الحضارية وعلاقته بالتراث القومي والإنساني ووظيفة القصيدة النفسية الجمالية الاجتماعية الفكرية. في حين أن «الآداب» تزعمت تيار الالتزام الوجودي الماركسي في ذلك الزمن (الأربعينات وفي الخمسينات). في أوروبا لدحر تأثير الاحتلال النازي، وفي العالم العربي لحاجات النهضة القومية. (...) كانت القيادات الحزبية للسوريين القوميين غير راضية عن مجلة شعر لأسباب عدة. أولها: ان غالبية قيادات المجلس الأعلى ومجلس العمد لا تزال تذكر منذ ما يقارب العقد من السنين أو ينوف عندما عاد انطون سعادة من المهجر (1947) وأعاد الحزب الى قواعد العقيدة السوري القومية الاجتماعية (...). ونقطة انطون سعادة ان الحزب ليس تجمعاً سياسياً بل هو حركة شاملة وعقيدة موحدة تولي الثقافة اهتمامها كما تولي السياسة. ففي عقيدة سعادة أن هناك نظرة واحدة في الحزب للحياة والكون والفن وفلسفته المدرحية. لكن يوسف الخال وغيره كثر رفضوا مثل هذا الرأي وركزوا عقيدة الحزب على العمل القومي سياسة واقتصاداً واجتماعاً، وما دون ذلك أي الثقافة والمواقف الفكرية متروك للفرد، كالموقف من الفن والفلسفة وغير ذلك. وبعد نقاش دار بينهم وبين سعادة. اقتنع غسان تويني وأسد الأشقر. وبقي يوسف الخال عند رأيه فطرد من الحزب. أدونيس ونذير العظمة لم يتعاملا مع يوسف الخال حزبياً بل ثقافياً وشعرياً في اطار المجلة. وثانيها: ان بعضاً من هذه القيادات كان يخشى انحراف الشعراء الى الفردية في الشأن الثقافي كما انحرف يوسف الخال من دون أن ينكر العقيدة وجوانبها المختلفة. وكانت القيادات الفكرية والثقافية في الحزب كالقيادات الماركسية والقومية العربية تقول بالالتزام في الشأن الأدبي بعامة والشعري بخاصة، فالشعر من أجل الشعر كالفن من أجل الفن أمر مستهجن في أوساط الحزب الفكرية وقياداته. والالتزام، إذا كان هناك التزام عند الشاعر أو المفكر، فهو أقرب الى الانتماء الحضاري وربما الإيمان، منه الى الالتزام القسري كما كانت تفهم عقيدة الالتزام في الخمسينات في الأوساط الحزبية». الأربعاء 20/10/2010: اطار اللوحة في منتهى الشوق ولا أكلمك. التفت الى الجهة الأخرى حيث لا أحد. ولماذا الكلام بيننا والحديقة حريق وتلك المقاعد حطام، بعدما كانت تجاور زهراً وعصافير وشمساً حانية. كأنني مسؤول عن الحرب السوداء الفاصلة بيننا، وعن ذلك الضيف معلناً الخراب، فلم أطرده صارخاً في وجهه وأصدّ رياحاً يحركها مثل ساحر. كم يحتاج الحب الى إطار، مثل لوحة ثمينة. الخميس 21/10/2010: فاروق سعد رحل فاروق سعد تاركاً حوالى 50 كتاباً. هذه الكتب لا بد أن يصادفها القارئ في مكتبته المنزلية أو في مكتبة عامة أو في لائحة مراجع تعتمدها مدارس وجامعات. صامت يترك لأعماله أن تتكلم ولم يندرج في علاقات تسويق يتقنها الأقل منه انتاجاً. ثقافته مزيج من ثلاث: فرنسا ومصر ودائرة التراث العربي. وتجلى المزيج في كتبه، ومنها: عن فلوبير في مصر وعن مي زيادة وعن كليلة ودمنة وعن خيال الظل (لعل هذا الكتاب المرجع الأهم باللغة العربية في هذا النوع من العروض التراثية). لن يحضر في معرض بيروت الدولي للكتاب بعد شهرين. شاهدته في المعرض الماضي في الكافتيريا ومن حوله أصدقاء قليلون. ستحضر كتبه ولن يندم قارئوها. يشبه رهبان الأدب القدماء إذ يعتني بمؤلفاته، من الكلمة الأولى الى الغلاف، محققاً تكامل المضمون والشكل. لكنّ لفاروق سعد جانباً يستحق الالتفات اليه: اهتمامه ببلدته برجا (في اقليمالخروب - لبنان) من الناحية الثقافية، فأصدر فيها مجلة، أو لنقل جريدة، مذكراً بتقاليد جرائد مراكز الأرياف، كما اهتم بأعلام البلدة، واعتنى خصوصاً بالمغني الراحل محمد مرعي المعروف بصوته القوي وظهوره في أفلام لبنانية ومصرية. الجمعة 22/10/2010: يكره الحرب خارج السلطة فيديل كاسترو والذئب العجوز في هافانا، يرى ثورته تذوب في ماء المصالح، وأميركا الجار الأكبر لم تبق عدواً بل موضع اعجاب الكوبيين الشبان. الثائر العجوز في بيته، تؤرقه الذاكرة حين يستحضر مشكلة الصواريخ الروسية: عض الأصابع بين واشنطن/ جون كينيدي وموسكو/ نيكيتا خروتشوف. العالم على حافة حرب كبرى بين العملاقين؟ أخيراً، يتعقل الفلاح الأوكراني الذي كان يحكم الاتحاد السوفياتي ويسحب صواريخه من كوبا. يتنفس العالم الصعداء. يتذكر كاسترو تلك اللحظات ويعجب كيف تحمّلها واقفاً على حبل مشدود ومن تحته الهاوية. ينظر اليوم من هافانا الى بلاد بعيدة: المشرق العربي. في أوله ايديولوجي متزمت اسمه بنيامين نتانياهو وصاحبه ذو الجناحين الناريين أفغيدور ليبرمان، وفي آخره ممسك بالحق الدهري حتى يوم القيامة اسمه محمود أحمدي نجاد. لا يرى كاسترو المشرق العربي بعيداً. انه قريب في حرب قد تطاول العالم كله. وللمرة الثانية يحذر العجوز المنتقل من الثورة الى الحكمة من حرب عالمية يطلقها صراع الأيديولوجيتين الإسرائيلية والإيرانية. نقلت وكالات الأنباء تحذير كاسترو: «اليوم هناك خطر وشيك من حرب، ولا أشك أبداً في أن هجوماً أميركياً واسرائيلياً على ايران سيقود في شكل حتمي الى نزاع نووي عالمي. وفي أي حرب نووية سيكون «الضرر الجانبي» هو حياة البشرية جمعاء». ودعا جميع الحكومات الى الالتزام بواجباتها باحترام الحق في الحياة لجميع شعوب الأرض، كما اعتبر أن من واجب الشعوب مطالبة الزعماء السياسيين بحماية الحق في الحياة، محذراً من اللامبالاة بهذا الحق.