تزامناً مع زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان في خضم الجدل السياسي الدائر حول المحكمة الدولية وملف شهود الزور، الذي أرجأ مجلس الوزراء البت فيه إلى العشرين من الشهر الجاري تفادياً للتشنجات التي قد تطرأ بسببه، لا يمكننا سوى فتح ملف تاريخ العلاقات اللبنانية الإيرانية لمعرفة إلى أي مدى تمتد جذورها... إن العلاقات اللبنانية الإيرانية ليست وليدة الثورة الإسلامية، فهي تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير.ويعود التمثيل الديبلوماسي بين البلدين الى عام 1912 تاريخ افتتاح اول قنصلية ايرانية في لبنان،التي ما لبثت ان تحولت فيما بعد في العام 1927 الى قنصلية عامة ايرانية لكل من سوريا ولبنان وفلسطين مركزها بيروت. اضافة الى ذلك فان ايران كانت من اوائل الدول التي اعترفت باستقلال لبنان عام 1943 واقدمت على رفع مستوى علاقاتها فيه. ففي 16 أبريل 1945 افتتحت إيران سفارتها في لبنان، وفي 23 فبراير 1946 افتتح لبنان سفارته في طهران، وكان سليم حيدر أول سفير لبناني في إيران وتعززت أواصر العلاقات بين طهرانوبيروت مع وصول الرئيس كميل شمعون إلى سدة الرئاسة، فتوّج هذا التقارب بزيارة شاه إيران محمد رضا بهلوي للبنان في العام 1957وكان الرئيس الراحل كميل شمعون اول رئيس جمهورية لبناني يزور طهران في العام نفسه. في منتصف الخمسينيات تحولت بيروت إلى أهم موقع للاستخبارات الإيرانية (سافاك) ثم أصيبت العلاقات اللبنانية الإيرانية بالفتور في عهد الرئيس فؤاد شهاب (1958 1964). وأدى لجوء رئيس جهاز «السافاك» الجنرال تيمور بختيار إلى لبنان العام 1969 بعد عزله من جانب الشاه، إلى إحداث أول قطيعة ديبلوماسية بين طهرانوبيروت، حيث كان بختيار علاقة مع المعارضة الإيرانية. لكن انحسار العلاقة الثنائية بين البلدين والذي بدأ مع الرئيس شهاب قابله استمرار علاقة الرئيس شمعون مع طهران حتى العام 1979 في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية بدأ العلاقات بين لبنان وإيران بالتحسن وترجم ذلك بتقديم أوراق اعتماد السفير اللبناني في إيران خليل الخليل أوائل السبعينات. وفي 17 كانون الأول 1978 خلف الخليل السفير فؤاد الترك ليكون هذا الاخير آخر سفراء لبنان في إيران الشاهنشاهية. إثر قيام الثورة الاسلامية في طهران في العام 1979انقسم اللبنانيون إلى فريقين أيد الفريق الأول منهم الثورة الاسلامية التي أطاحت بنظام الشاه وأبدى الفريق الآخر تخوفه منها. أما أول سفير لبناني في عهد الإمام الخميني فكان السفير جعفر معاوية. في العام 1982 خُطف الديبلوماسيون الإيرانيون الأربعة في لبنان وهم القائم بالأعمال محسن الموسوي، والملحق العسكري أحمد متوسليان، والمصور والمراسل كاظم إخوان، وسائق السفارة تقي رستكار مقدم. في العام 1989 شهدت العلاقات اللبنانية الإيرانية تطوراً ملحوظاً عقب «اتفاق الطائف» في العام 1997 زار طهران الرئيس الاسبق الراحل الياس الهراوي مشاركاً في قمة منظمة المؤتمر الاسلامي التي كانت آنذاك برئاسة ايران، ليعود الرئيس السابق اميل لحود فيزور طهران في 20 نيسان عام 2000 المحطة الأبرز في العلاقات اللبنانية الإيرانية تمثلت في الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي للبنان في أيار 2003 وهي الزيارة الاولى لرئيس ايراني للبنان منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979. حيث طالب خاتمي«حزب الله» بالتحول الى حزب سياسي. وكان الرئيس خاتمي حظي لدى وصوله الى لبنان أمس باستقبالين: رسمي وشعبي حاشدين وفي محيط المطار فوجئ الرئيس خاتمي باستقبال آخر، فقد زحف عشرات الآلاف من أنصار «حزب الله» وحركة «أمل» وتلامذة مؤسساتهما التربوية والكشفية بينهم رجال انضباط وأمن من التنظيمين، اضافة الى مناصريهما الذين جاؤوا من معظم المناطق اللبنانية، الى المكان مرحبين بالضيف «الكبير». وكذلك فوجئ الناس بترجل خاتمي من سيارة الرئاسة اللبنانية والى جانبه لحود لتحية الناس محدثا إرباكا بين المولجين أمنه وسار مسافة غير قصيرة ملوحا لهم ومصافحاً بعضهم.ورفع المستقبلون أعلام ايران ولبنان ورايات حركة «أمل» و«حزب الله»، وصورا للحود وخاتمي وبري والأمين العام ل«حزب الله» السيد حسن نصرالله والامام الخميني والسيد علي الخامنئي والإمام موسى الصدر وسواهم. وفي 24 و25 نوفمبر 2008 زار الرئيس ميشال سليمان إيران فوصفها السفير الايراني السابق في لبنان محمد رضا شيباني بالتاريخية. وكما الاستقبال الحاشد للرئيس خاتمي...شهدت زيارة الرئيس الايراني نجاد للبنان استقبالاً شعبياً حاشداً. وكانت طائرة الرئيس الايراني حطت في مطار بيروت قبيل الساعة التاسعة صباحا وتلتها بعد لحظات طائرة ايرانية ثانية تقل بقية اعضاء الوفد الايراني.وشارك في الاستقبال على مدرج المطار، بالاضافة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، نواب ووزراء من حزب الله وحركة امل ووفود من السفارة الايرانية والجالية الايرانية. وشق موكب الرئيس الايراني طريقه ببطء شديد لدى خروجه من المطار متوجها الى المقر الرئاسي، وسط عشرات الوف الاشخاص الذين احتشدوا على جانبي الطريق وسط تدابير امنية مشددة واطلقوا هتافات مرحبة. وحمل المحتشدون اعلاما ايرانية ولبنانية وصورا للرئيس الايراني. وكانوا ينثرون الارز والورد على الرئيس الايراني الذي خرج من سقف السيارة المكشوفة ليحيي الناس باسما. وعلقت على الطريق الرئيسية المؤدية الى المطار وطرق الضاحية الجنوبية صور للرئيس الايراني وللامام الخميني ومرشد الجمهورية علي خامنئي. ___________ * المصدر مواد من أرشيف "دار الحياة".