«شهود الزور» في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وفق السجلات القضائية الرسمية، هم: هسام هسام ومحمد زهير الصديق وإبراهيم جرجورة وأكرم شكيب مراد وأحمد مرعي وعبدالباسط بني عودة. وقد بات معروفاً ان هؤلاء أدلوا بإفادات «ذات صدقية متدنية» و«غير صحيحة»، كما جاء في تقارير لجنة التحقيق الدولية. أما في السجالات السياسية بين طرفين لبنانيين أحدهما يعترض على المحكمة الدولية وآخر يصرّ على التمسك بها، فيصبح عدد «شهود الزور» اكثر بكثير من هؤلاء الستة. وآخر الغيث مذكرات توقيف سورية عممها مساء الأحد الماضي مكتب اللواء السابق جميل السيد، وهو أحد الضباط الأربعة الذين أوقفوا لمدة ثلاثة أعوام وثمانية أشهر كمشتبه بهم في جريمة اغتيال الراحل رفيق الحريري، بناء على دعوى سابقة كان قد تقدم بها السيد ضد شهود الزور وشركائهم. وشملت هذه المذكرات 33 شخصية سياسية وقضائية وأمنية وإعلامية لبنانية، جلهم من فريق العمل السياسي لرئيس الحكومة سعد الحريري. وفي حين استبعد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أن «يعمد الانتربول الدولي الى تنفيذ مذكرات التوقيف السورية، نظراً لارتكازها الى خلفيات سياسية». قال المحامي فؤاد شبقلو ل «الحياة» ان «مذكرات التوقيف لم تصنف جميع من سطرت بحقهم على أنهم شهود زور. انما تعددت التهم، فاعتبرت مثلاً ان الوزير السابق شارل رزق سهل عمل المحكمة، وان النائب السابق باسم السبع أدلى بتصريحات داعمة للمحكمة». وأضاف أن «لهذه المذكرات قيمة قانونية في سورية وعند الحدود وفي بعض الدول التي تتوافق سياسياً مع سورية. لكن الانتربول لن يتولى تعميمها على الأرجح انطلاقاً من عدم أخذه بمذكرات التوقيف الصادرة عن دول لا تراعي حقوق الإنسان او ذات انظمة شمولية الا بعد التدقيق بها، ما يعني ان نفاذها يبقى معلقاً عالمياً». لكن بعيداً من السياسة وتجاذباتها، للمسألة وجهة سير أمنية وقضائية. ويصف مسؤول امني لبناني رسمي ملف «شهود الزور» بأنه «كذبة كبيرة»، ويقول ل «الحياة» ان هناك «من يربط مصير المحكمة الدولية بهذا الجزء الثانوي ويخترع هذه الكذبة الكبيرة لخلق ازمة في البلد» ويضيف: «في كل تحقيق يدلي بعض الأشخاص بمعلومات غير صادقة او كيدية او لغاية انتفاعية او ما الى ذلك. كذلك هناك افادات تفيد التحقيق واخرى لا تفيده ولا يتم استخدامها. وفي القانون لا توجد تسمية شهود الزور في الشكل الذي يطرح في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وفي هذه المرحلة من التحقيق». اما القاضي والمدعي العام السابق الوزير السابق عدنان عضوم (الذي كان يتولى حقيبة وزارة العدل عندما وقعت جريمة الاغتيال) فيقول: «هؤلاء لا يعتبرون شهود زور، انما هم مرتكبو جرم الافتراء. وهذا الجرم هو من ضمن الجرائم المتعلقة بالإدارة القضائية ويقع تحت الباب نفسه مع شهود الزور. والافتراء جريمة مختلفة لها عناصرها وطبيعتها الخاصة، وبالتالي فإن تسمية «شهود زور» هي خطأ شائع. والتوصيف بأن هؤلاء مفترون يصوب النزاع الكلامي في هذا الموضوع. فالشخص الذي يأتي الى قاضي التحقيق او الى المحكمة ويدلي بشهادة مرتبطة بواقعة معينة او جريمة ويتنكر للحق او يشهد بالباطل او يختلق الأدلة او يحرّف الوقائع كلها او بعضها، وهو يعلم بأنه يفتري ويملك الارادة والنية للافتراء، فهو بذلك يرتكب جريمة مستقلة وقائمة بذاتها وعقوبتها تصل الى عشر سنوات. اذا كان الجرم يشكل جناية». واعتبر أن «الاتهام السياسي» الصادر عن بعض المسؤولين يصنف افتراءً. وقال: «لا يوجد في الموضوع القضائي ما يسمى اتهاماً سياسياً. وعند حصول جريمة يصبح كل تصريح او اعلان في شأنها مسؤولية السلطة القضائية كونها الوحيدة المختصة بإجراء التحقيق والإعلان عما يجرى. واي اعلان او اتهام خارج السلطة القضائية يعتبر تدخلاً في شؤون التحقيق ويعتبر أن صاحبه ارتكب جريمة افتراء، فإعلانات السياسيين عن أفعال مادية مباشرة متعلقة بجريمة الاغتيال تشكل عنصراً من عناصر الافتراء، الا اذا تم التراجع عنها قبل صدور القرار الاتهامي تخفف العقوبة». ويقول المحامي فؤاد شبقلو إنه «يحق للقضاء اللبناني ان يحقق مع شهود الزور ولكن بعد صدور القرار الاتهامي ومن ثم الحكم النهائي من المحكمة. ذلك ان شاهد الزور يعاقب بدرجة معينة اذا كان تحت القسم، أو إذا لم يكن قد أقسم، وإذا اعتمدت شهادته في القرار الظني او قرار الإدانة، واذا لم تعتمد، واذا تراجع عن إفادته قبل القرار الاتهامي يختلف الأمر. كما ان مضبطة الاتهام تبين دور كل شاهد زور ومدى تأثيره في قرار لجنة التحقيق ومدى الأخذ بإفادته في قرار الإدانة. وعلى ضوء كل حالة ووصفها الجرمي تحدد العقوبة. من هنا لا يمكن معاقبة شهود الزور الا بعد انتهاء التحقيق واعلان القرار الاتهامي لمعرفة صدقية شهود الزور. وعلى ضوء ذلك يتولى القضاء اللبناني محاكمتهم وفقاً للجرم الموصوف بحقهم». عضّوم يحمل وجهة نظر مختلفة ويقول: «ملاحقة المفتري ووجوب اجراء التحقيق في افترائه لا تنتظر ادعاءً شخصياً ويمكن النيابة العامة ان تتحرك عفواً وتحقق لمعرفة مدى صحة ما قاله المفترون. واذا لم تتوافر عناصر الافتراء يحفظ التحقيق». ويشير الى ان «جريمة الافتراء لا تحتاج حلف اليمين لتتم ملاحقة المفتري. كما لا تحتاج الى قرار اتهامي او حكم بالتجريم من المحكمة الدولية، لأنها جريمة قائمة بحد ذاتها». ونبه الى ان «وجهات النظر في طرف الإثبات تختلف من نص قانوني او تشريعي الى آخر». المرجع الأمني الرسمي يوضح أن «لا احد يعرف ما هي الإفادات التي أعطاها هؤلاء الاشخاص الى التحقيق، ولا احد يعرف ما اذا كانت الإفادات متطابقة مع ما يثار في الإعلام. وليس صحيحاً ان جميع شهود الزور اعطوا معلوماتهم الى التحقيق اللبناني، هسام هسام لم يذهب الى التحقيق اللبناني، بل ذهب مباشرة الى التحقيق الدولي، وكذلك محمد زهير الصديق. كما ان التحقيق الدولي لن يأخذ بكل ما ورد في ملفات التحقيقات اللبنانية التي ارسلت الى لاهاي، لن يؤخذ منها الا ما يتوافق مع سير التحقيق. والمحقق لن يبني معلوماته على معلومات غير مطابقة للوقائع». ويضيف: «هناك حقائق تتعلق بجريمة الاغتيال لا يمكن دحضها، منها الذهاب ليل 14/15 شباط (فبراير) 2005 (اي بعد ساعات من اغتيال الحريري) بكل التجهيزات اللازمة لرفع السيارات ومن ثم غسل ساحة الجريمة. وهناك شريط احمد ابو عدس لتضليل التحقيق. وما يحمله من إدانات. وهناك ضخ المعلومات عن الحجاج الاوستراليين. ونحن نعرف من كانت لديه القدرة آنذاك على هذه الأمور». ولا يجد المرجع الأمني تفسيراً لما حصل ويحصل الا عبر مقولة «كاد المريب ان يقول خذوني». ويؤكد عضوم ان «السيارات التي كانت في موقع الجريمة نقلت وحفظت بأمان حتى فحصتها لجنة فيتزجيرالد، وان التحقيق في شريط ابو عدس أكد وجود هذا الانسان وارتباطه مع كل من خالد طه وزياد رمضان بنشاطات معينة. لكن فحص الحمض النووي اظهر أن لا وجود لجثثهم في موقع الجريمة. كما ان التقرير عن وجود مادة تي ان تي في ثياب الحجاج الاوستراليين جاء في تقرير نقلته الينا السفارة الاوسترالية، لتعود السفارة وتعتذر عن المعلومة هذه وتفيد بأن هناك مادة كيميائية في ثيابهم لكنها ليست تي ان تي». ويرى المرجع الأمني ان «المطلوب كان ان ينسى الناس بعد أيام من الجريمة من دون تحقيق فعلي. لكن الأمور لم تسر كما كان يشتهي المرتكبون، ووصلنا الى التحقيق الدولي والمحكمة الدولية، التي وافق عليها جميع الأطراف في لبنان، وان اعترضوا او اختلفوا على التفاصيل، كما كان المعترضون يصرحون آنذاك. واليوم نسمع ان المطلوب هو القضاء على المحكمة كلياً. وكأن هناك من ترك المبدأ ليبني على التفاصيل، لأنه لا يريد للعدالة ان تأخذ مجراها. ومعركة ما يسمى «شهود الزور» في هذا السياق هي قنابل دخانية لا اساس لها في منطق الأمور وفي قلب التحقيق ولا في القانون». ويزيد: «كما ان المحققين ليسوا اغبياء ليأخذوا بإفادات غير صحيحة او تم تلقينها لمن يدلي بها. فهم محترفون ويعرفون المعلومات المتطابقة او تلك المتناقضة التي لا يؤخذ بها. ولكن يبدو ان هناك من يعيش أزمة كبيرة ولا يجيد ادارة معركته ويتخبط من محاولة الى أخرى. وليس هناك ادنى شك في ان الهدف هو القضاء على المحكمة. ويدل على ذلك اغتيال الرائد وسام عيد، عام 2008، الذي عمل مع لجنة التحقيق واستطاع تركيب برنامج تقني من الداخل افاد التحقيق كثيراً وأعطى نتائج مهمة جداً. كذلك محاولة اغتيال العقيد سمير شحادة». أما عضّوم فيرى ان «الظروف التي فرضها اغتيال الرئيس رفيق الحريري كونه شهيداً كبيراً، دفعت جميع الأطراف السياسيين في لبنان إلى الاعتراف بالمحكمة الدولية. كما ان التأثير النفسي المرافق للجريمة عطل احكام العقل لتندفع الاتهامات عاطفياً نحو جهة معينة. بالتالي كان مستحيلاً مواجهة لجنة تقصي الحقائق ولجنة التحقيق الدولية والمحكمة الدولية، او الاعتراض على ذلك. وهكذا انشئت المحكمة بموجب القرار 1757 وتحت الفصل السابع، بعد مخاض عسير ومخالف للدستور والقانون في لبنان، على رغم ان المحكمة بحسب المناقشات في مجلس الامن كان يجب ان تأتي ذات طابع دولي، اي باتفاقية بين الأممالمتحدة والدولة اللبنانية. لكن القبول بالمحكمة الدولية يبقى مشروطاً بأن تعمل ضمن معايير العدالة الجنائية لا ان تسيّس. وقد تجلى موضوع التسييس مع القاضي ديتليف ميليس الذي وجه اتهاماً الى السوريين والجهاز الامني اللبناني وتم على اساسه توقيف الضباط الاربعة (اللواء جميل السيد واللواء علي الحاج والعميد ريمون عازار والعميد مصطفى حمدان) وعدد من المنتمين الى جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية وبعض الاشخاص، ليطلق سراح الجميع بعد حوالى أربعة اعوام ويوجه الاتهام الى «حزب الله». حينئذٍ طرحت الاسئلة عن سبب تغير وجهة الاتهام وعن عمل المحكمة التي لم تراعِ نقطة اساسية ترتبط بعلاقة اسرائيل بالجريمة. وكثيرة هي المعطيات التي توجب رفض المحكمة». ويؤكد شبقلو أن «لدى المحكمة الكثير من المعلومات، فقد تم التحقيق مع رؤساء جمهوريات (احدى جلسات الاستماع الى الرئيس السابق اميل لحود استغرقت تسع ساعات) وضباط ومسؤولين حزبيين في لبنان والمنظمات الفلسطينية واسرائيل ومصر وقبرص وسورية وغيرها. وكل هذه الأطراف ضخت الكثير من المعلومات، ولم يجد المحققون اي عقبة في التحقيقات». في استشراف مصير التحقيق والمحكمة ويشير المرجع الأمني الى «ان ملف الضباط الاربعة لم ينته، ولا يفيد خلق جو التوتر او العبث، وليس بالضرورة ان يكون دورهم محصوراً بالجريمة الاساسية، ولكن بجرائم ملحقة بالجريمة الاساسية، وخلق جو مؤاتٍ، والعبث بمسرح الجريمة، ومن دون أن يكونوا على علم بذلك انما ينفذون اوامر من دون ان يعرفوا الى اين يؤدي المخطط. بالتأكيد لا شيء سيراوح مكانه وكل الامور ستنكشف، ولن يفيد الاقتتال بين اللبنانيين في الحؤول دون ذلك». ويرى عضوم ان «اتهام اي طرف بجريمة اغتيال الحريري بخفة وتبسيط يخالف المنطق، فهي جريمة منظمة بأعلى معايير المهارة والتحضير والتنفيذ. وهي مدروسة بطريقة تشمل مداخل ومخارج وآلاف العناصر، وكلها امور يصعب ان ترتكبها جهة واحدة. فهي جريمة سياسية وارهابية وفردية، ولا يمكن وفق الاستنتاج السياسي الا ربطها بالقرار 1559». ويشير شبقلو الى ان تبسيط الامور غير وارد في جرائم من وزن جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري. ويقول: «موضوعياً ومعنوياً لا يمكن أحداً معرفة ساعة الصفر لتنفيذ الجريمة او تفاصيل التنفيذ. لكن هناك من يتورط في الجرائم اللصيقة بالجريمة الأم. وعادة يطلب الى كل متورط تنفيذ جزء من العمل من دون ان يعرف ماذا يحصل وما هو الهدف الفعلي من المهمة الموكلة اليه». ويؤكد ان «الإعداد لهكذا جريمة تنفذه خلايا مستقلٌ كل منها عن الأخرى». عن احتمال تعليق استمرار المحكمة الدولية، يقول شبقلو: «فقط اذا اخذت الحكومة اللبنانية قراراً بأن المحكمة تؤثر على السلم الأهلي وعلى استقرار لبنان والمنطقة. وهي الأسباب التي قامت لأجلها المحكمة، وطلبت من الأممالمتحدة الغاء المحكمة ولمجلس الامن وحده وبناء لطلب من الامين العام حق الغاء المحكمة». اما عضوم فيقول: «هذه المحكمة لها مهلة ثلاث سنوات قابلة للتمديد بالاتفاق بين لبنان والامين العام للأمم المتحدة بعد اطلاع مجلس الامن. واذا صدر القرار الاتهامي وابتدأت المحاكمات وانتهت مهلة السنوات الثلاث، واذا طلب لبنان عدم التمديد، يتم تعطيل المحكمة». ويضيف: «تنص المادة 20، اتفاقية المحكمة انه يمكن بالتوافق ما بين الدولة اللبنانية والامم المتحدة تعليق نفاذ عمل المحكمة التي لم تنشأ اصلاً ضمن الاصول الدستورية ليصار الى اعادة النظر بالإجراءات الواجب اتمامها كي تأتي وفق الاصول والاحكام الدستورية. وكذلك يمكن تعليق نفاذها الى حين الانتهاء من بت دعاوى الافتراء وشهود الزور».