حققت القوات النظامية السورية وحلفاؤها تقدماً في عمق الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة في مدينة حلب، في وقت يثير التصعيد العسكري مخاوف دولية حول مصير المدنيين المحاصرين. ومن المقرر أن يكون مجلس الأمن الدولي بحث بعد ظهر أمس في نيويورك الوضع الإنساني في شرق حلب حيث يعيش أكثر من 250 ألف مدني في ظل ظروف مأسوية، بعد تعذر إدخال مساعدات إنسانية منذ أكثر من أربعة أشهر. وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبدالرحمن لوكالة «فرانس برس»: «حققت قوات النظام وحلفاؤها من روس وإيرانيين ومقاتلين من حزب الله اللبناني تقدماً استراتيجياً ليلة الأحد بسيطرتها على القسم الشرقي من مساكن هنانو»، مشيراً إلى استمرار «الاشتباكات العنيفة» بين الطرفين الاثنين. وأوضح «المرصد» في تقرير من حلب أمس أن مواجهات تدور على «محاور بالقسمين الشمالي والجنوبي من أحياء حلب الشرقية» بين القوات النظامية وحلفائها، من جهة، وبين فصائل المعارضة، من جهة ثانية، «بالتزامن مع استهدافات متبادلة نجم عنها إعطاب آليات للطرفين». وأضاف أنه ارتفع إلى 5 على الأقل عدد القتلى الذين سقطوا منذ صباح أمس في قصف جوي على أحياء جسر الحج والصاخور، فيما سقط عدد من الجرحى جراء ضربات جوية ومدفعية على أحياء طريق الباب والشعار والسكري ومحيط المغاير والفردوس وجب القبة والأنصاري وأرض الحمرا ومساكن هنانو وبعيدين والمعادي وجسر الحج والشيخ سعيد ومناطق أخرى في القسم الشرقي من المدينة. وكانت القوات النظامية استأنفت الثلثاء الماضي قصفاً جوياً ومدفعياً غير مسبوق على الأحياء الشرقية، مستهدفة أبنية سكنية ومرافق طبية عدة، ما تسبب بمقتل أكثر من مئة مدني وفق «المرصد»، تزامناً مع خوضها معارك عنيفة ضد الفصائل وتحديداً في حي الشيخ سعيد في جنوبالمدينة. وكانت قوات النظام بدأت في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي هجوماً برياً مدعوماً بغارات روسية للتقدم والسيطرة على الأحياء الشرقية المحاصرة منذ تموز (يوليو). وتوقفت الغارات في 18 تشرين الأول (أكتوبر) إثر إعلان روسيا هدنتين متتاليتين من جانب واحد لم تحققا هدفيهما بإجلاء الجرحى والمدنيين الراغبين في مغادرة شرق حلب ولا في إخراج المقاتلين. وأوضح عبدالرحمن أن التقدم في مساكن هنانو «هو الأول من نوعه داخل الأحياء الشرقية منذ سيطرة الفصائل المعارضة عليها صيف العام 2012»، مؤكداً مشاركة «حلفاء النظام بفعالية في الهجوم على جبهات عدة في حلب». وأضاف: «لهذا الحي رمزية كبيرة أيضاً باعتباره أول حي تمكنت الفصائل من السيطرة عليه في مدينة حلب قبل توسيع سيطرتها إلى بقية الأحياء». وذكرت صحيفة «الوطن» السورية القريبة من دمشق الاثنين أن الجيش النظامي تمكن من «اقتحام مساكن هنانو، أهم وأكبر معقل للمسلحين في الأحياء الشرقية» ومن «كسر خطوط دفاعهم الأولى في الحي». ونقلت عن خبراء عسكريين أنه في حال تمكن الجيش من السيطرة في شكل كامل على مساكن هنانو، فإنه «يسقط نارياً أحياء الإنذارات والحيدرية وأرض الحمرا». وهو ما أكده «المرصد السوري». وقال عضو المكتب السياسي في حركة «نور الدين الزنكي»، إحدى أبرز الفصائل المقاتلة في حلب، ياسر اليوسف لوكالة «فرانس برس» إن قوات النظام سيطرت على «نقاط في أطراف الحي»، مشيراً إلى «معارك محتدمة تدور الآن» بين الطرفين. وأوضح أن قوات النظام «حاولت فجراً التقدم في حي الشيخ نجار في شرق المدينة وحي الشيخ سعيد» من دون أن تتمكن من إحراز تقدم. وتعد مدينة حلب الجبهة الأبرز في النزاع السوري الذي تسبب منذ اندلاعه منتصف آذار (مارس) 2011 بمقتل أكثر من 300 ألف شخص. وانقسمت المدينة منذ صيف العام 2012 بين أحياء شرقية تحت سيطرة الفصائل وأحياء غربية تحت سيطرة قوات النظام. ويثير التصعيد العسكري الحالي مخاوف المجتمع الدولي حيال مصير المدنيين المحاصرين. وتزامن التصعيد العسكري في حلب مع إعلان روسيا، الحليفة الأبرز لدمشق والتي تنفذ ضربات جوية مساندة لقوات النظام منذ أكثر من عام، حملة واسعة النطاق في محافظتي إدلب (شمال غرب) وحمص (وسط). وحذر المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا الذي أجرى محادثات في دمشق الأحد وغادرها الاثنين من أن الوقت «ينفد». وقال: «نحن في سباق مع الزمن» حيال الوضع في شرق حلب. ورأى أنه «بحلول عيد الميلاد وبسبب تكثف العمليات العسكرية، قد نشهد تدهوراً لما تبقى في شرق حلب ويمكن أن ينزح حوالى 200 ألف شخص إلى تركيا، ما سيشكل كارثة إنسانية». وأعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان أن «ليس هناك حالياً أي مستشفى قيد الخدمة في القسم المحاصر من المدينة»، وذلك استناداً إلى تقارير من شركائها في المنطقة. وتمتنع الجهات المعنية في شرق حلب عن الإفصاح ما إذا كانت هناك مستشفيات أخرى قيد الخدمة خشية من استهدافها. وأكدت المنظمة أن خدمات صحية «لا تزال متوافرة في عيادات صغيرة»، لكن معالجة الإصابات وإجراء عمليات جراحية كبرى وتقديم رعاية طبية طارئة لم تعد مؤمنة. وكان دي ميستورا نقل الأحد رفض دمشق اقتراحه إقامة «إدارة ذاتية» لمقاتلي المعارضة في الأحياء الشرقية، بعد انسحاب عناصر «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً قبل فك ارتباطها مع تنظيم «القاعدة») منها. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي بعيد لقائه دي ميستورا إن الأخير «تحدث عن إدارة ذاتية في شرق حلب وقلنا له إن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً»، مضيفاً: «هل يعقل أن تأتي الأممالمتحدة لتكافئ الإرهابيين؟». وأضاف: «قلنا له، نحن متفقون على خروج الإرهابيين من شرق حلب (...)، لكن لا يعقل أن يبقى 275 ألف نسمة من مواطنينا رهائن لخمسة آلاف، ستة آلاف، سبعة آلاف مسلح». وتابع: «لا توجد حكومة في العالم تسمح بذلك». وعلى صعيد ميداني آخر، أشار «المرصد» أمس إلى مقتل طفلين اثنين وإصابة 12 آخرين بجروح بينهم أطفال «جراء قصف طائرات حربية على مناطق في مدينة دوما بغوطة دمشقالشرقية»، متحدثاً عن «تواصل المعارك العنيفة في محور الأوتستراد الدولي بالغوطة الشرقية، بين جيش الإسلام من طرف، وقوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف آخر، إثر هجوم ينفذه الأخير بغية التقدم في المنطقة من محور الميدعاني والبحارية، وتترافق الاشتباكات مع قصف مكثف، ومعلومات مؤكدة عن خسائر بشرية في صفوف الطرفين». وتابع «المرصد» أن 4 أشخاص قُتلوا وآخرين أصيبوا بجروح «جراء سقوط قذائف أطلقتها الفصائل على مناطق في ضاحية الأسد بالقرب من حرستا بالغوطة الشرقية». كما أفادت معلومات عن سقوط قذائف في محيط السفارة الروسية في العاصمة دمشق.