يسجل الفنان اللبناني شفيق طالب في معرضه التاسع تاريخ تركيا الحديث عبر الطابع البريدي. لماذا الطابع البريدي ؟ لأنه الأداة الثقافية الأبسط والأسهل وصولاً إلى الجمهور التي اعتمدها طالب منذ أن دأب على نشر ثقافة الطابع البريدي، فهو الوثيقة الرسمية المنمنمة التي تحمل مئات العناوين في المعرض، وتحديداً منذ عام 1863 حين صدرت أول مجموعة طوابع عثمانية، وتم تداولها في مناطق السلطنة كافة، ومنها بلادنا حتى عام 1918. استذكرالجمهور الحاضر في معرض شفيق طالب «ذاكرة تركيا» في صيدا (جنوب لبنان) ، وفي مقدمه رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري والسفير التركي إينان أوزيلديز ورئيس جمعية الصداقة اللبنانية- التركية في صيدا محمد علي الجوهري، من خلال هذه المجموعات مكاتب البريد في المدن العربية، إذ حملت الأختام البريدية أسماءها. أما طوابع الجمهورية التركية، منذ نشوئها ولتاريخه، فهي خير مؤشر على نهضة تركيا الحديثة. وقد اعتمد معدا المعرض شفيق طالب وهدى طالب سراج المنحى التاريخي في القسم المخصص للمرحلة العثمانية، كما اتبعا المنحى الثيمي في القسم المخصص لتركيا الحديثة. فصنّفت مجموعات الطوابع وفق المواضيع وأهمها العمارة والتاريخ العثماني وتاريخ الحضارات المتعاقبة في مناطق تركيا، إضافة إلى المناطق المتعددة، فضلاً عن الشخصيات والأزياء التقليدية والمطبخ التركي ومناسبات عدة. هل نحن بصدد مصالحة مع إرث تاريخي أثقلته نتائج الحرب العالمية الأولى واستخدمت فيه شعارات وصفت الإمبراطورية العثمانية بأنها دولة محتلة لأرضنا وبأنها سبب تخلفنا ؟ بالطبع لا، إنها قراءة جديدة للتاريخ الحديث للمنطقة وسعي منفتح للمصالحة معه من جهة، كما أنها تحية لبنانية ذات نكهة صيداوية للدولة التركية الحديثة وإنجازاتها العديدة. التملّي من لوحات المعرض إمتاع بصري ومؤانسة معرفية فأغلب سمات تركيا ماثلة في الوريقات المخرّمة. وهذه المنمنمات الجميلة والرموز التي حملتها ترشدنا وتحفزنا لإبداء مشاعر الاعتراف والقبول والاستفادة من كل هذا الإرث الحضاري والثقافي للسلطنة التي أفلت شمسها في المعنى الجيوسياسي، لكن مفاعيلها وبصماتها لا تزال واضحة للعيان وحاضرة في السلوكات العامة للجمهور إن في شرقنا العربي أو في مناطق أخرى من العالم الذي شهد المجد الغابر لطغرة آل عثمان. أنها تركيا الحديثة التي تعيد بناء صورتها وتتقدم بخطى ثابتة في العوالم الأوروبية والإسلامية والعربية.