هيمن الخلاف الفلسطيني - الإسرائيلي في شأن قضيتي «الاستيطان» و«يهودية الدولة» على الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة التي عقدت أمس في منتجع شرم الشيخ بمشاركة الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وبحضور وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. ففي حين كشف الجانب الإسرائيلي نيته عدم تمديد تجميد الاستيطان بعد 26 أيلول (سبتمبر) الجاري، هدّد الجانب الفلسطيني بالانسحاب من المفاوضات في حال استؤنف الاستيطان، كما رفض الاعتراف ب «يهودية الدولة»، معتبراً انها «القضية التي لم يحدث أن كانت مطروحة على مائدة التفاوض». وسعى الرئيس حسني مبارك إلى تضييق الهوة بين الطرفين عبر لقاءات ثنائية جمعته مع عباس ونتانياهو، وكذلك فعلت كلينتون قبل بدء اللقاء الثلاثي بينها وبين عباس ونتانياهو. وسرت إشاعة عن تأجيل جولة التفاوض بسبب الخلافات بين الطرفين، غير أن الجانبين نفياها لاحقاً. وعُقدت لقاءات ثنائية عدة قبل بدء جولة التفاوض، إذ استقبل مبارك كلاً من عباس ونتانياهو، واستعرض مع الرئيس الفلسطيني سبل إنجاح جولة التفاوض الثانية وما تم التوصل إليه بعد الجولة الأولى، كما أكد لنتانياهو ضرورة وقف الاستيطان في شكل كامل من أجل بناء الثقة وتوفير فرصة لاستمرار التفاوض. والتقى مبارك وزيرة الخارجية الأميركية التي اجتمعت بدورها مع كل من عباس ونتانياهو قبل بدء اللقاء الثلاثي. وعقب انتهاء جولة المفاوضات، عقد مبارك لقاء حضره عباس ونتانياهو وكلينتون تم فيه استعراض المواضيع التي طرحت على مائدة التفاوض. ميتشل عن الاستيطان والدولة اليهودية وقال المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط السيناتور جورج ميتشل في مؤتمر صحافي عقب انتهاء المفاضات، إن «الأطراف المعنية بدأت اليوم (الثلثاء) سلسلة من المناقشات في شأن قضايا أساسية، إذ أكد الجانبان نيتهما دخول المفاوضات بجدية وإخلاص، كما جددا تنديدهما بكل أنواع العنف التي تستهدف المدنيين الأبرياء، وتعهدا بذل الجهود للمحافظة على الأمن». وأكد أن الأطراف المعنية «أكدت ضرورة التوصل إلى سلام شامل ودائم وعادل»، مشيراً إلى أن «الهدف المشترك يبقى إقامة دولتين لشعبين، والتزام حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وكل القضايا». وأضاف أن «عباس ونتانياهو مستمران في الاتفاق على أن هذه المفاوضات التي تهدف إلى حل كل القضايا الأساسية، يمكن أن تحسم خلال عام». وتابع: «اتفقت الاطراف على أن تبدأ أولاً بالعمل على التوصل إلى اتفاق إطاري للوضع النهائي، وهذا العمل جار على قدم وساق». وأوضح أن «الأطراف الآن اتفقت على أن نجاح هذه المفاوضات يعتمد على المحافظة على سريتها في شكل كامل والتعامل معها بحذر، وأن ما سيتم الكشف عنه هو القليل من التفاصيل»، مشيراً إلى أنه «تم الاتفاق على أنه بعد لقاء القادة في القدسالغربية غداً (الأربعاء)، فإن مفاوضيهم سيلتقون خلال الأيام المقبلة للاستمرار في المفاوضات والتمهيد للجولة المقبلة من المفاوضات على مستوى القادة». وأكد أن المفاوضات المباشرة أمر حاسم لكلا الطرفين لبناء وتدعيم الثقة، وقال: «الولاياتالمتحدة تتعهد دعمها الكامل للأطراف المعنية في هذه المفاوضات، وسنكون شركاء فاعلين نلقي بثقلنا الكامل لإنجاحها». ورداً على سؤال عن حدوث أي تقدم في قضية الاستيطان خلال المفاوضات، قال: «إن موقفنا واضح بالنسبة الى قضية الاستيطان، ولم يتغير، كما قال الرئيس (باراك) أوباما، نعتقد أن من المنطقي أن يستمر تجميد الاستيطان لكي تستمر المفاوضات في شكل بناء». وأضاف: «الإدارة الأميركية تعلم أن قضية الاستيطان ذات طبيعة حساسة سياسياً بالنسبة الى إسرائيل، وطلبنا من الرئيس عباس أن يمضي قدماً في الخطوات التي من شأنها أن تسهل التوصل إلى السلام». وحمل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مسؤولية ضمان استمرار هذه المفاوضات في شكل بناء. ورداً على سؤال عن موقف الإدارة الأميركية من إقامة دولتين لشعبين في ظل مناداة نتانياهو بأن تكون الدولة الإسرائيلية يهودية، قال ميتشل: «أكدنا أن رؤيتنا تقوم على أساس حل الدولتين، وذلك يعني دولة إسرائيلية يهودية ديموقراطية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة فلسطينية ذات سيادة مترابطة الأراضي، إلا أن ذلك واحد من القضايا الحساسة التي على كلا الطرفين أن يقوما بحلها، وذلك هو الغرض من المفاوضات». إسرائيل لا تنوي التمديد من جانبه، قال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية عفير جندلمان إن إسرائيل لا تنوي تمديد تجميد الاستيطان بعد انتهاء مهلة الأشهر العشرة نهاية الشهر الجاري، مشيراً إلى أن «بناء المستوطنات مستمر منذ عام 1993 وعلى مدى كل مراحل المفاوضات السابقة ولم يصر الجانب الفلسطيني طوال تلك الفترة على شرط تجميد الاستيطان». وأضاف في تصريحات: «نحن على استعداد لبحث كل القضايا الجوهرية، بما فيها المستوطنات، لأن وضع أي شروط مسبقة يعرقل المفاوضات»، لافتاً إلى أن «مساحة المستوطنات لا تتجاوز 1.6 في المئة من الضفة». وأعرب عن أمله في الوصول إلى حل وسط بالنسبة الى جدول أعمال المفاوضات، وقال: «المهم هو بدء المفاوضات في شكل عملي، ونأمل في إحراز تقدم في المفاوضات اليوم (أمس) وغداً (اليوم) في القدس». ورداً على سؤال عن وجود مدى زمني للجولات المقبلة، أشار إلى أنه تم الاتفاق في واشنطن على عقد جولات المفاوضات كل أسبوعين على مستوى القمة. ونفى أن تكون إسرائيل وضعت شروطاً مسبقة بالنسبة الى أهمية بحث موضوع «يهودية الدولة» أولاً، مؤكداً أن كل القضايا المتعلقة بالمرحلة النهائية سيتم بحثها، ومشيراً إلى أن «الجانب الإسرائيلي يرفض أي شروط مسبقة من الطرف الفلسطيني (...) هذا أمر سلبي». وأكد مجدداً أنه لن يتم تجميد البناء في المستوطنات نهاية الشهر، معرباً عن أمله في إمكان التوصل إلى تفهمات أو حلول وسط، ومشيراً إلى أن الأمر يخضع للمفاوضات. وقال إن الحكومة الإسرائيلية لن تنسحب من المفاوضات تحت أي ظرف من الظروف، مشيراً الى إمكان التوصل الى اتفاق إطار خلال عام. وأكد وجود اتصالات تجرى خلف الكواليس للوصول إلى تحقيق تقدم في القضايا الخلافية الحالية. كلينتون: سنتدخل عند الحاجة وفيما أكدت كلينتون أن الوقت حان للتوصل إلى اتفاق، وأنه لا سبيل لتلبية احتياجات الطرفين خارج إطار اتفاق سلام، أوضحت أن الجانب الأميركي «سيترك (التفاوض على) القضايا الجوهرية إلى الطرفين، على رغم استعداده لطرح الأفكار إذا دعت الحاجة». ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن كلينتون قولها إنها تأمل في أن يبني اجتماع شرم الشيخ واجتماع اليوم في القدس على الأجواء الإيجابية التي اتسمت بها الجلسة الافتتاحية في مقر وزارة الخارجية في واشنطن قبل أسبوعين. وأضافت أنها مدركة تماماً للعقبات التي تعترض سبيل التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط تقوم على حل الدولتين، لكنها أعربت عن اعتقادها بأن «الوقت حان للتوصل إلى اتفاق وأنه لا سبيل لتلبية احتياجات الطرفين خارج إطار اتفاق سلام». وأعربت كلينتون عن اعتقادها بأن «هناك فرصة متاحة أمام نتانياهو وعباس، كما أن أمامهما تحديات، وما نحاول القيام به هو تشجيعهما ودفعهما لاغتنام فرصة تحقيق السلام، لأنه لن يكون بوسع أي منهما التكهن بالعواقب إذا لم تمض تلك العملية في طريقها». وقالت: «هدفنا هو المساعدة على خلق أجواء مواتية لإنجاح المفاوضات وتشجيع كل طرف على عدم القيام بأي فعل يكون من شأنه التدخل في استمرار العملية»، معربة عن اعتقادها بأنه ستتم خلال اليومين المقبلين مناقشة العديد من القضايا المطروحة في شأن مطالب الطرفين وما يمكنهما تقديمه من اجل استمرار العملية. وأوضحت أن «الزعيمين يدركان أن إطالة أمد العملية ليس في مصلحة أي منهما، وأنه يتعين اغتنام الفرصة الحالية (...) إن لم تكن هناك مفاوضات ولم يتوافر الأمن فلن تكون هناك دولة». شعث: لم يطلب منا تغيير موقفنا من الاستيطان من جانبه، قال مفوض العلاقات الدولية في اللجنة المركزية لحركة «فتح»، عضو الوفد الفلسطيني المفاوض الدكتور نبيل شعث إن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عن «يهودية الدولة» تشيع جواً غير مريح، ومع ذلك فالجانب الفلسطيني «مستمر في المفاوضات طالما ظل الاستيطان متوقفاً، أما إذا أعاد الجانب الإسرائيلي عمليات الاستيطان، فلا نستطيع أن نستمر فيها». وأوضح أن لدى عباس العديد من الأفكار التي تهدف الى الاستفادة من جولة شرم الشيخ لتكون جولة مفاوضات مكثفة تهدف الى استكشاف المواقف في شكل حقيقي. وأشار إلى أن الأميركيين يقولون أنهم سيضغطون لاستمرار قرار وقف الاستيطان. وعما يتردد من أن إسرائيل تطرح مواقف متشددة في موضوع الاستيطان حتى يبدو أي تنازل جزئي محتمل من جانبها كنوع من المرونة والحلول الوسط، قال شعث إن مثل ذلك السيناريو لا يشكل حلاً وسطاً محتملاً على الإطلاق، بل هو في الواقع مسألة أكثر خطورة من الوضع الحالي بكثير لأن أي استمرار للاستيطان في ما تسميه إسرائيل بالكتل الاستيطانية يعتبر «أمراً خطيراً وغير مقبول من جانبنا لأنه يعني ببساطة الاستيلاء على أراضي فلسطينية بغير وجه حق»، مشدداً على أن أحداً لم يطلب من الجانب الفلسطيني تغيير رأيه في موضوع الاستيطان. وعما تردده إسرائيل عن ضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية، قال: «نرفض الاعتراف بذلك من جانبنا، ولم يحدث أن هذه القضية كانت مطروحة على مائدة التفاوض، ولا يمكن لنا أن نوافق على ذلك لأن معنى ذلك ببساطة أننا أعطينا إسرائيل المبرر لطرد مليون ونصف فلسطيني مسيحي ومسلم من داخل الخط الأخضر، فضلاً عن إنهاء قضية اللاجئين». عبد ربه: اجتماع إيجابي من جانبه، وصف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو الوفد الفلسطيني المفاوض ياسر عبد ربه لقاء عباس مع كيلنتون بأنه «كان إيجابياً». وقال إنه تم بحث مواضيع عدة من أهمها الاستيطان الذي يشكل عقبة رئيسة في طريق السلام، موضحاً أن هناك اتفاقاً دولياً ومساندة مصرية بضرورة وقفه. وأشار إلى أن العمل مستمر لمعالجة هذه القضية لأن الوقف التام لكل النشاطات الاستيطانية هو الذي يخدم مفاوضات السلام فعلياً على رغم كل ما تقوله الحكومة الإسرائيلية. وأضاف أن الجانب الفلسطيني مستعد للدخول في مفاوضات مكثفة في القضايا الجوهرية وهي الحدود والأمن وبقية القضايا الرئيسية بما يشمل القدس واللاجئين وغير ذلك من المواضيع. وعن التأكيد الإسرائيلي على ضرورة بحث يهودية دولة إسرائيل أولاً في جدول أعمال المفاوضات، قال عبد ربه إن «جدول أعمال المفاوضات واضح، ولا أظن أن هناك إمكان لإقحام أي قضايا أخرى على هذا الجدول الذي يحتوي على قضايا الوضع النهائي، وهذا أمر معروف للجميع». وأعرب عن اعتقاده بأن الجولة الثانية للمفاوضات لن تحسم أي بند من البنود في شكل كامل، لكنها تتيح توفير المناخ لكي يبدأ البحث في البنود الجوهرية، خصوصاً موضوع الحدود والأمن وغير ذلك من القضايا ذات الصلة بمواضيع الوضع النهائي. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، عضو الوفد الفلسطيني المفاوض محمد اشتيه إن «إسرائيل أمام اختبار كبير في الثلاثين من أيلول (سبتمبر) الجاري، وهو التزام وقف الاستيطان لأن ما يسمى قائد المنطقة الوسطى عندما وقع قرار وقف الاستيطان حدده بتاريخ الثلاثين من أيلول وليس السادس والعشرين». وأوضح أن التزام إسرائيل وقف الاستيطان «لا يعني تقدم بالمفاوضات، بل تقدم في بناء الثقة، لأن تجميد الاستيطان ليس موضوع تفاوضي، بل إزالة الاستيطان هي الموضوع التفاوضي». ورداً على سؤال عن إمكان قيام إسرائيل بالوقف الجزئي للاستيطان، ومحاولة إيهام الرأي العام الدولي بأنها قامت بالمطلوب منها، قال اشتيه: «نملك أن نقول كلمة لا لأي شيء لا ينسجم مع المصلحة الوطنية الفلسطينية، وفي المقابل نحن نملك القدرة للقول نعم عندما نجد أن الأمر فيه مصلحة شعبنا». وأضاف: «نحن لا نتحدث عن تجميد جزئي للاستيطان، ونحن غير معنيين بتخريجات لغوية، وغير معنيين بتخريجات تجميلية للموقف الإسرائيلي، بل معنيون في شكل حقيقي بأن يتوقف الاستيطان كواقع ملموس ولسنا معنيين كيف تتم صناعة القرار في إسرائيل». ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن المستشار السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي رون دريمر قوله إن عباس ونتانياهو «تصافحا بحرارة لدى بدء اللقاء الثلاثي». وذكرت الوكالة أن الجانب الفلسطيني أصر خلال المفاوضات على بدء المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في كانون الأول (ديسمبر) عام 2008 بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، فيما رأى الجانب الإسرائيلي أن ذلك غير ملزم للحكومة الحالية.