دخل لبنان مرحلة سياسية جديدة مع استعداد زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري لإعلان دعمه ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية في موعد قريب جداً، كما توقع غير مصدر سياسي مطلع على تفاصيل حركة الحريري السياسية بعد زهاء 3 أسابيع من مشاوراته المحلية والخارجية. وفيما أخذ إصرار الحريري على خطوته المرتقبة، على رغم سعي حلفاء له وأصدقاء لثنيه عنها، يُحدث فرزاً جديداً في تموضع القوى السياسية، فإن أبرز مظاهر هذا الفرز إعلان رئيس البرلمان نبيه بري أنه وكتلته النيابية لن يصوتا لعون، وهو ما كرره معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل قبل لقائه زعيم «المستقبل» بعد ظهر أمس بقوله إنه «في حال تم تأمين النصاب (في جلسة 31 الجاري) سنصوّت ضد عون وسنذهب إلى المعارضة، إلا أن الرئيس بري سيكون أول من يهنئه بالفوز». ورأى في موقف متشدد ضد خيار الحريري «أننا أمام ثنائية سنية- مسيحية شبيهة بما كان عليه الأمر عام 1943 وسنواجهها، وهذا حقنا». واستدعى موقف بري رداً غير مباشر بعد الاجتماع الأسبوعي ل «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة عون على رفضه الثنائية المارونية- السنية، فقال الوزير السابق سليم جريصاتي في بيان مكتوب، إن «أي كلام عن الثنائية المسيحية- السنية غير مسؤول وغير مقبول، ويصب في فتنة نأمل بألا تكون مقصودة وسنتصدى لها». وقال التكتل: «اتهمنا بأننا ضد السنة في تحالف مع الشيعة، لأننا تفاهمنا مع مكون شيعي وازن ومقاوم، واليوم نتهم بأننا مع السنة ضد الشيعة لأننا تفاهمنا مع المستقبل». وذكّر ب «الدعوة المتكررة لنا بأن اتفقوا أيها المسيحيون، فاتفقنا، ثم اتفقوا مع السنة واتفقنا، فماذا يريدون منا؟». وكان الحريري ترأس اجتماعاً لكتلة «المستقبل» ناقش لأكثر من 3 ساعات خياره الذي شرح لنوابه أسبابه، مؤكداً وفق قول بعضهم ل «الحياة»، أن «البلد يتآكل والمصيبة فيه ليست العماد عون بمقدار ما هي حزب الله وسياساته. ولم أجد غير هذه الخطوة في السعي لإنقاذ البلد من الشغور الذي يقود المؤسسات إلى الانهيار». وأوضح هؤلاء أن الحريري أبلغ الكتلة في مداخلة مطولة أنه أجرى مشاورات مع عون وغيره من الفرقاء وأنه حصل على «ضمانات من الجنرال، وهو مطمئن إليها، فضلاً عن وجود ضمانات خارجية أيضاً». وذكر هؤلاء النواب أن الحريري قال تعليقاً على اللغط الإعلامي في شأن الموقف السعودي، إنه ليس صحيحاً أن الرياض لا توافق على هذا الخيار، ونقلوا عنه قوله إنها غير معترضة على خياره. وكرر الحريري استعراضه الخيارات المطروحة، معتبراً أن البقاء بلا رئيس يعني بقاء الحكومة عرضة للشلل، وأن من بين الاحتمالات أن نصل إلى وضع يؤدي إلى التمديد للبرلمان، فمن يحتمل خطوة كهذه؟ وإذا حصلت انتخابات تحتم استقالة الحكومة من دون وجود رئيس للجمهورية، فإن احتمال امتناع نواب مسيحيين وربما بعض السنة عن انتخاب رئيس للبرلمان قد يؤدي إلى فراغ كامل في الرئاسات الثلاث. وتكتم نواب «المستقبل» على المواقف المعارضة داخل الكتلة لخيار الحريري، لكن بعضهم تمنى عليه ألا يعلن دعمه عون اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة لاغتيال اللواء وسام الحسن، فيما أبلغهم الحريري أنه سيتابع مشاوراته ونقاشاته مع أعضاء الكتلة اليوم. وصدر بيان عام عن الكتلة شدد على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية وفقاً للدستور. ولم تستبعد مصادر نيابية أن يتم إعلان الحريري قراره خلال لقاء زيارة يقوم بها عون له. وبينما حافظ حليف عون وداعمه الأساسي «حزب الله» على صمته إزاء هذا التحول الجوهري في مساعي الحلول لأزمة الشغور الرئاسي، فإن ارتدادات التفاهمات التي تردد أنها حصلت بين فريقي عون والحريري حول خطوات العهد الجديد المفترض، خلال الاتصالات التمهيدية، طاولت موقف رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط، الذي غرد على «تويتر» قائلاً: «وإن كانت الظروف الاستثنائية في البلاد تقتضي تسوية استثنائية، حبذا لو أخذ في الاعتبار رأي اللقاء المتنوع والديموقراطي»، مشيراً إلى أن «اللقاء ليس قطيعاً من الغنم». وأوفد جنبلاط نجله تيمور والوزيرين أكرم شهيب ووائل بوفاعور والنائب غازي العريضي للقاء بري مساء، في خطوة تؤشر إلى حرصه على التنسيق معه في شأن المستجدات. وأكد العريضي بعدها أن البلد لا يحتمل مزيداً من الانقسامات والتشنجات، ودعا إلى تبريد الأجواء والوصول إلى تفاهمات وأكد الحرص على العلاقة مع بري والتنسيق معه. وتوجه إلى الحريري وسائر القيادات بالقول: خذونا بحلمكم... صحيح أن العدد قليل (في اللقاء الديموقراطي) لكنْ لنا دور في الشراكة والقرار»... إلا أن جنبلاط غرد مساء: «يبدو أن الفرج قريب». وكان الحريري التقى نهاراً شخصيات عدة تبلغت قراره المضي بخيار عون، أبرزها، إلى خليل، وزير الثقافة روني عريجي والوزير السابق يوسف سعادة من «تيار المردة» الذي يرأسه النائب سليمان فرنجية، لإبلاغهما أنه لم يجد حلاً آخر لملء الشغور الرئاسي غير اعتماد خيار العماد عون.