يترقب الوسط السياسي في لبنان عودة زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري إلى بيروت في بحر هذا الأسبوع وفي جيبه الخبر اليقين بخصوص الخيار السياسي الذي سيتخذه لإنهاء الشغور في سدة الرئاسة الأولى، مع اقتراب الموعد الجديد لانتخاب رئيس جمهورية جديد في جلسة نيابية تعقد في 31 الجاري، قد لا تشبه الدعوات السابقة التي تعذر انعقادها لعدم توافر النصاب القانوني لها، باعتبار أنها ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات بصرف النظر عما إذا تأمن لها النصاب أم لا. وعودة الحريري هذه المرة تمليها ضرورتان: أولاً، وضع حد لحال الضياع والقلق والإرباك التي يمر فيها أعضاء كتلته النيابية الذين هم في غياب تام عن الاتصالات والمشاورات التي يجريها تمهيداً لحسم خياره الرئاسي، وبالتالي ينتظرون بفارغ الصبر رجوعه إلى بيروت للتشاور معهم في مضمون الموقف الذي يميل إلى اتخاذه، وهذا ما وعدهم به في الاجتماع الأخير للكتلة التي طرح فيها الاستحقاق الرئاسي من ضمن مجموعة من الخيارات السياسية ومنها احتمال دعمه ترشح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. أما الثانية، فتكمن في استمزاج رأي كتلته النيابية في دعمه ترشح عون في حال حضر إلى بيروت ومعه قرار حاسم في هذا الشأن، لأن الإعلان عنه للرأي العام يستدعي الالتفات إلى بيته الداخلي والعمل على استيعاب النواب الذي يبدون اعتراضاً على خيار كهذا. لذلك، لن تكتفي كتلته النيابية بأن تأخذ منه علماً بدعم ترشح عون، لا سيما وأن الحريري يعرف أن آراء نوابه متباينة حيال دعمه، وبالتالي لا بد من عرض الأسباب الموجبة التي أملت عليه سلوكه هذا الخيار مع أنهم يدركون أن البلد لم يعد يحتمل الأعباء السياسية والمالية والاقتصادية المترتبة على استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية، وهو يقف الآن على حافة الانهيار الذي لن يوقفه سوى إحداث صدمة سياسية تعيد خلط الأوراق في اتجاه انتخاب رئيس، لأن لديهم مخاوف من أن تعذر انتخابه سيدفع حتماً إلى تمديد الشغور الرئاسي، وربما إلى أمد طويل. وإلى أن يقرر الحريري حسم خياره في اتجاه دعم ترشح عون، لا بد من التوقف أمام الآلية التي سيتبعها في تسويقه خياره، سواء داخل كتلته أو في شارعه السياسي، وما إذا كان سيكشف عن خياره في مؤتمر صحافي في حضور أعضاء كتلته أو في لقاء يشارك فيه أيضاً أركان «المستقبل» أو في لقاء متلفز بعد أن يكون قام بجهد فوق العادة لاستيعاب من لا يحبذ خياره هذا. وفي هذا السياق، سألت مصادر سياسية مواكبة، ولو بالمراسلة، للمشاورات التي يجريها الحريري خارجياً استعداداً لإعلانه توجهه في مسألة إنهاء الشغور الرئاسي، ما إذا كان زعيم «المستقبل» سيقاتل سياسياً لتأمين إيصال عون إلى سدة الرئاسة الأولى أم أنه سيكتفي بقوله إنه أدى قسطه للعلى بدعم ترشح عون رغبة منه في التفاهم على تسوية سياسية تعيد الانتظام إلى المؤسسات الدستورية التي تشكو من التعطيل وقلة الإنتاجية. واعتبرت المصادر نفسها أن للطريقة التي سيعلن بها الحريري دعمه ترشح عون أكثر من معنى سياسي، خصوصاً إذا ما اكتفى بالإعلان عن موقفه الداعم من دون أن يأخذ على عاتقه القتال لإيصاله إلى بعبدا، وبالتالي يحشر حلفاء «الجنرال» الذين يصرون على وضعه في «قفص الاتهام»، بذريعة أنه يعطل انتخاب الرئيس، مع أن أعضاء كتلته النيابية لم يقاطعوا الدعوات الخمس والأربعين التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى النواب لانتخاب رئيس جديد في مقابل مقاطعة «حزب الله» إياها. موقف «حزب الله» كما سألت المصادر عينها عن موقف «حزب الله» وكيف سيتعامل مع دعم الحريري ترشح عون، هذا في حال انتهى من مشاوراته وحسم خياره الرئاسي، وهل سيشعر بالإحراج ويجد نفسه محشوراً في الزاوية أم يقرر الهروب إلى الأمام بذريعة أن التفاهمات الثنائية، في إشارة إلى تفاهم عون- الحريري، لن تنتج رئيساً، وبالتالي هناك ضرورة لتوسيعها لتشمل الآخرين من دون أن يظهر أي شكل من أشكال التراجع عن تأييده ترشح حليفه عون؟ وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية بارزة، أن «حزب الله» أوفد ممثلين عنه للقاء عدد من حلفائه بالتزامن مع تحرك نواب «تكتل التغيير» لتسويق رئيسه عون لرئاسة الجمهورية، وأن هؤلاء أكدوا لهم أن الأخير طلب منهم القيام بجهد فوق العادة لدى زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لإقناعه بالانسحاب لمصلحته، بذريعة أن انسحابه يخلي له الساحة ويبدد هواجسه حيال وجود لعبة من تحت الطاولة يمكن أن تفاجئه ويأتي اقتراع النواب في جلسة الانتخاب بنتيجة صاعقة لا يتوقعها وتحمل منافسه فرنجية إلى القصر الجمهوري في بعبدا. ونقلت المصادر أيضاً عن ممثلين في «حزب الله» أن عون طلب من الحزب أن يترافق إقناع فرنجية بالانسحاب مع جهد مماثل لدى الرئيس بري من أجل تعديل موقفه، ليكون تصويته وأعضاء كتلته لمصلحته. لكن يبدو أن ما تمناه عون من حليفه «حزب الله» لا يزال عالقاً على وعد منه ببذل قصارى جهده لدى الرئيس بري وفرنجية، لكن لا نتائج حتى الساعة تدعوه للاطمئنان في حال نزوله إلى جلسة الانتخاب فحسب، وإنما تزيد من منسوب قلقه بسبب إصرار زعيم «المردة» على خوضه المعركة الرئاسية من جهة، وتمسك الرئيس بري بموقفه بدعوة الجميع إلى الاحتكام لإرادة النواب، ناهيك بأن فرنجية قد يبادر إلى فرض حصار على عون، في ضوء ما يتردد عن أنه سيحضر إلى البرلمان ليشارك في جلسة انتخاب الرئيس في 31 الجاري، وهو بذلك يرد على من ينتقده بأنه يتخلف عن حضور جلسات الانتخاب، خصوصاً في حال أصر منافسه على مقاطعتها لقطع الطريق على إقحامه في مفاجأة يمكن أن تقضي على حلمه في الوصول إلى بعبدا، بذريعة أن مؤيدي فرنجية معروفون، في مقابل تخوفه من أن يفرمل رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط قراره في آخر لحظة من دون أن يضع نفسه في صدارة القوى السياسية المناوئة لعون، لأنه في غنى عن حصول ارتدادات في جبل لبنان يمكن أن توتر الأجواء بين الدروز والمسيحيين. لذلك، يمكن أن يؤيد جنبلاط ومعه النواب الأعضاء في «الحزب التقدمي الاشتراكي» دعم ترشيح عون في حال أن الحريري مشى في خياره هذا مشترطاً التفاهم على تسوية سياسية وتاركاً لعدد من النواب في «اللقاء الديموقراطي» حرية الاقتراع. خلط الأوراق فهل يؤدي نزول فرنجية إلى البرلمان إلى إعادة خلط الأوراق أو تحديد موعد جديد لجلسة الانتخاب لتخلّف عون عن حضورها خوفاً من أن ينصب له «كمين» سياسي يؤمن الاقتراع لمنافسه فرنجية، خصوصاً أن تبني دعم الحريري إياه سيفتح الباب أمام مبادرة بعض النواب في كتلته إلى ممارسة حقهم في حرية الاقتراع. وعليه، يبدو أن الاقتراب من موعد جلسة الانتخاب لا يعني بالضرورة أن هناك من لديه حسابات دقيقة حول كيفية توزع الأصوات بين عون وفرنجية، إضافة إلى أن مصادر شيعية أخذت تروج أن هناك من يضع ما يقال عن وجود ورقة تفاهم بين تيار «المستقبل» و «التيار الوطني الحر» على خانة التأسيس لثنائية مارونية- سنية في مواجهة ثنائية «حزب الله» وحركة «أمل»، على رغم أن «الجنرال» لا يجرؤ على سلوك خيار كهذا لأنه يعرف جيداً أنه غير قابل للحياة، إضافة إلى عدم التفريط بتحالفه مع الحزب. لكن الحذر الذي يبديه عون حيال عدم الانجرار إلى صفقة ثنائية في مواجهة «حزب الله»، بات يعزز السؤال عن قدرته على أن يجمع بين الأضداد، أي القوى التي هي على نزاع استراتيجي مع الحزب تحت سقف واحد وفي حكومة وحدة وطنية. الجلسة التشريعية والاشتباك السياسي على صعيد آخر، يترقب المراقبون ردود الفعل على توزيع جدول أعمال أول جلسة تشريعية تعقد بعد أول جلسة للبرلمان مع بدء العقد العادي في أول ثلثاء بعد 15 تشرين الأول (أكتوبر)، أي الثلثاء المقبل، خصوصاً أن بنوده خالية من أي بند يتعلق بقانون الانتخاب الجديد. ويتوقع المراقبون أن تأتي ردود الفعل المعارضة لخلو جدول الأعمال من قانون الانتخاب، من حزبي «القوات اللبنانية» و «الكتائب» و «التيار الوطني الحر»، خصوصاً أن جلسة تشريع الضرورة» قد تعقد قبل نهاية الأسبوع الحالي. ويرى هؤلاء أن الخلاف على جدول الأعمال سيفتح الباب أمام إقحام البرلمان في اشتباك سياسي جديد يدور بين من يدعم عقد جلسة «تشريع الضرورة» وبين من يصر على مناقشة قانون الانتخاب بنداً أول على جدول الأعمال هذا، وإلا سيضطرون إلى مقاطعة الجلسة ويمكن أن يتذرعوا بفقدانها الميثاقية لغياب كبريات الكتل المسيحية عنها. إلا أن التذرع بفقدانها الميثاقية سيواجه من قبل الفريق الآخر بأنّ هناك حاجة ملحة لتشريع الضرورة وأن للبنان مصلحة في إقرار عدد من المشاريع التي تعتبر أكثر «ميثاقية» من غيرها، لا سيما أن التلكؤ في إقرارها سيرتب على البلد أضراراً مالية وسياسية نتيجة إدراجه على اللائحة السوداء بسبب تخلفه عن إقرار القانون المتعلق بالتعاون الضريبي بين لبنان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، ومن خلالهما المؤسسات المالية والنقدية العالمية. كما أن صدقية لبنان المالية والنقدية ستتعرض لانتكاسة لا بد من أن يتداركها البرلمان في إقراره القانون الخاص الذي ينص على إلغاء التعامل بالأسهم كاملة لمصلحة حصرها بأسماء حامليها، أكانوا مؤسسات أم أشخاصاً. لذلك، لا مفر من عقد جلسة تشريع الضرورة، لأن ترحيلها سينعكس سلباً على الموظفين، من مدنيين وعسكريين، في القطاع العام الذين لن يقبضوا رواتبهم بدءاً من أول الشهر المقبل إذا لم يصر إلى فتح اعتمادات مالية تغطي صرفها من قبل وزارة المال. وعليه، كيف سيرد المعترضون على عدم إدراج قانون الانتخاب؟ وماذا سيقولون في رد الرئيس بري على اعتراضهم، وفيه أنه حاضر لإدراجه في جلسة لاحقة فور حصول تفاهم على العناوين الرئيسة للقانون، لأن مجرد طرحه في ظل الخلاف حوله يبقى في حدود تسجيل المواقف الشعبوية وفي إغراق البرلمان بمشادات من دون الوصول إلى النتائج المرجوة من إدراجه.