التلاسن الحاد الذي جرى بين الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، كشف أن الحريري «يسير على خطى والده». صحيح أن الحريري الأب كان يدير العلاقة مع «حزب الله» بحذر شديد، وهو أبقى الخلاف في البعد السياسي، ولم يسمح بأن يتحول الى نزاع سنّي - شيعي، وساعد انشغال «حزب الله» في تلك المرحلة بقضية المقاومة على نجاح رفيق الحريري، وحصر الطرفان الخلاف بينهما في قضايا سياسية. كيف إذاً أصبح سعد يسير على خطى والده، رغم أن السيد حسن نصرالله جره الى حوار مذهبي مكشوف، وعلى نحو يعد سابقة في علاقات الزعامات الإسلامية في لبنان؟ من يقرأ تاريخ عائلة الحريري فسيدرك أن رفيق الحريري اختصر سنّة لبنان في أسرته. فجاء سعد وحاول أن يتجاوز، أو يعالج، هذه الهيمنة على طائفة بكاملها، ويعيد الاعتبار لبعض الأسماء التي غيبها، أو همشها، والده. لكنه وقع في الخطأ من جانب آخر، فاختصر السنّة في «تيار المستقبل». وكلا الاختصارين غيب مفهوم الأمة، وجعل بيروت ضاحية شمالية. ومن يقرأ تاريخ لبنان الحديث فسيجد أن الزعامات السنّية لم تكن تحكم من منطلق طائفي، أو حزبي، أو أسري. تمسكت بهموم الأمة، وتطلعات الدولة. كانت تتصرف وتتحدث بمنطق الدولة، والأمة، ورفضت التعبئة الطائفية، والتحريض المذهبي، واستطاعت الجلوس بجدارة في موقع الأمة، ولا شأن لها بخلافات الطوائف والأحزاب، والحرب الأهلية اللبنانية تشهد بذلك. لا شك في أن «حزب الله نجح في جر سعد الحريري الى الأرقام المذهبية الخطرة، 14 آذار مقابل 8 آذار، فضلاً عن أن سعد الحريري يقف ويتحدث، حتى الآن، كزعيم حزب وليس كرجل دولة ينتمي الى أمة أكبر من الطوائف، أو هي حضن الطوائف والأقليات، لكن سعد لم يحسم أمره بعد. هو متردد بين الثأر والحكم، بين الوريث ورجل الدولة، وإن استمر في الاستجابة للتردد، واستهواه السجال المذهبي فهو يقدم ل «حزب الله» ما يريد. «حزب الله» أعلن منذ اليوم الأول أنه حزب مذهبي. ودوره يزداد رسوخاً وقوة حين يجد محرضاً، ومقابلاً مذهبياً لدوره، وسعد الحريري يقدم للحزب هذه الخدمة بطريقة لا يحسد عليها. هذا النهج خطر على لبنان وعلى المسلمين في المنطقة. قاوم يا سعد النزعات المذهبية بمنطق الأمة قبل فوات الفرصة.