كلّف ملك المغرب محمد السادس رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الفائز بالانتخابات البرلمانية، تشكيل حكومة جديدة. وجاء في بيان رسمي صادر عن وزارة القصور الملكية المغربية أن الملك محمد السادس «استقبل السيد عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وعيّنه بمقتضى الدستور رئيساً للحكومة». وقال بن كيران للصحافيين بعد تعيينه: «سأبدأ مشاوراتي مع الأحزاب في أقرب فرصة من أجل تشكيل هذه الحكومة، التي أتمنى أن نوفَق فيها جميعاً». وحصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات البرلمانية التي جرت الجمعة الماضي، على 125 مقعداً من أصل 395، فيما حصل غريمه حزب «الأصالة والمعاصرة» على 102 من المقاعد، ليستأثر هذان الحزبان وحدهما بنسبة 57.5 في المئة من المقاعد، فيما توزعت المقاعد المتبقية على 10 أحزاب أخرى. وإزاء رفض الجانبين التحالف، سيكون على بن كيران أن يقود مفاوضات مع الأحزاب الأخرى للحصول على غالبية مريحة (198 مقعداً) داخل البرلمان لتسهيل عمل حكومته، أي أنه يحتاج إلى 73 مقعداً على الأقل لبلوغ هذا الهدف. ويحتاج حزب رئيس الوزراء المكلف إلى تحالف يضم 3 أحزاب على الأقل لتأمين غالبية برلمانية، في ظل تشبت قيادة الحزب الحاكم برفض التحالف مع «الأصالة والمعاصرة». وقال الحزب الحاكم إنه منفتح على كل الأحزاب السياسية باستثناء «الأصالة والمعاصرة» الذي أسسه في العام 2007 مستشار الملك فؤاد عالي الهمة، ويشاركه هذا التوجه حليفه الأوثق حزب «التقدم والاشتراكية» بزعامة نبيل بن عبدالله. وقالت مصادر مأذون لها إن بن كيران يميل إلى التحالف مع أحزاب «تجمع الأحرار» (37 مقعداً) و«التقدم والاشتراكية» (12 مقعداً) و«الحركة الشعبية» (27 مقعداً) التي شكلت حكومته الثانية بعد انسحاب حزب «الاستقلال» من التشكيلة الأولى. لكن يُرتقب أن تتوسع المشاورات لتطاول أحزاب الكتلة التي تضم «الاستقلال» (46 مقعداً) و«الاتحاد الاشتراكي» عدا عن «التقدم والاشتراكية». ويُعتبر «الأصالة والمعاصرة» الحزب الوحيد الذي استبعده بن كيران من المشاورات بسبب نزعته في «محاربة التيار الإسلامي»، واستبق الأخير ذلك الاستبعاد بإعلانه الاصطفاف في المعارضة. وتميل أطراف داخل الحزب الحاكم إلى تشكيل تحالف تاريخي يضم أحزاب الكتلة و«العدالة والتنمية». وعلمت «الحياة» أن هذا الاتجاه يحظى بمساندة قياديين بارزين في «الاستقلال» و«الاتحاد الاشتراكي». وقالت مصادر أخرى إن منصب رئيس مجلس النواب سيحدد طبيعة التحالفات التي ستؤسس للحكومة المقبلة، على اعتبار أن الغالبية درجت على الاستفراد برئاسة المؤسسة الاشتراعية منذ التناوب الذي حمل الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي إلى رئاسة الوزراء في العام 1998. ولفتت المصادر ذاتها إلى احتمال أن يكون المنصب محل تجاذب كبير، فإما أن يتولاه حزب «العدالة والتنمية» أو يؤول إلى أبرز الحلفاء الذين ستستقر عليهم المشاورات. ونأى زعماء الأحزاب الموالية والمعارضة في دردشة مع «الحياة» عن التعبير عن موقف صريح في شأن التحالف مع بن كيران، معتبرين أن المسألة لا تتعلق بشخص رئيس الوزراء، وإنما «ترتبط بما يخدم مصالح المغرب» وإن كانت أبدت انفتاحها على رئيس الوزراء المكلف. وقال زعيم حزب «التقدم والاشتراكية» ل «الحياة» إنه يأمل بأن يوفّق بن كيران في تحالفاته «لما فيه مصلحة البلاد» موضحاً أنه «هو مَن يقرر في التحالفات وليس نحن». ورفض بن عبدالله تحديد ما إن كان سيطالب بالحقائب الوزراية ذاتها، معتبراً أن الوقت مبكر لمناقشة هذا الموضوع. وقال حميد شباط زعيم حزب «الاستقلال» ل «الحياة» إن قرار دخول الحكومة تقرره اللجنة التنفيذية للحزب. لكنه لم يبد اعتراضاً شخصياً على مسألة المشاركة. وعن خصوماته المتكررة مع بن كيران، قال: «علاقاتنا طيبة ولا مشكل لدينا معه وأنا أهنئه». وعن انحدار حزبه في الانتخابات، قال شباط إن النتيجة تحكمها أسباب متعددة، منها اللاعبون، ويعني المرشحين، و«الحكم»، في إشارة إلى وزارة الداخلية. ونفى شباط وجود خلافات داخل الحزب، معتبراً أن مسألة الانقسام «انتهت»، في إشارة إلى اعتراضات صدرت عقب خروج الحزب من حكومة بن كيران في عام 2013. وفي حين كان زعيم «الاتحاد الاشتراكي» إدريس لشكر غائباً عن السمع، إلا أن مصدراً في الحزب أكد ل «الحياة» قرار توجيه مذكرة إلى الملك حول مجريات الاستحقاق الانتخابي. وتعدد المذكرة الخروق التي شابت الانتخابات من «استخدام للمال وتأثير بعض رجال السلطة في ميول الناخبين» إضافة إلى «القطبية الزائفة» التي أدت إلى تقاسم حزبي «العدالة والتنمية» و «الأصالة والمعاصرة» غالبية المقاعد. وكان «الاتحاد الاشتراكي» هوى إلى رتبة متدنية في اقتراع الجمعة الأخير، حيث حصل على 20 مقعداً بعد أن كان يملك كتلة من 39 مقعداً حاز عليها في الاستحقاقات البرلمانية السابقة.