بعدما فشلت أحزاب المعارضة في تحدي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات البلدية أخيراً، يبدو أن المحكمة الدستورية العليا قررت أن تكون نداً قوياً يتصدى له، من أجل الحدّ من صلاحياته ومنعه من الهيمنة على كل أجهزة الدولة. اذ أصدرت في شكل مفاجئ أمس، أحكاماً بالجملة في شكاوى قدّمتها المعارضة، اعتراضاً على قوانين مرّرتها الحكومة أخيراً، بعد فضيحة فساد كبرى طاولت أردوغان ومقرّبين منه، بينهم أربعة وزراء. الحكم الأول انتزع من وزير العدل صلاحيات نالها بموجب قانون أقرّه البرلمان أخيراً، تُمكِّنه من نقل وكلاء النيابة والقضاة وترقيتهم، من خلال تعيين من يريد في الهيئة العليا للقضاة ودوائرها. وبذلك يعود التوازن إلى الهيئة ولو بعد فترة، إذ أن قرارات المحكمة الدستورية لا تُطبّق بأثر رجعي، ولن تتأثر التعديلات التي أجراها الوزير خلال الشهرين الماضيين، وغيّر بموجبها محققين ووكلاء نيابة وقضاة في قضية الفساد الحكومي، ولكن لن يكون في مقدوره فعل الأمر مجدداً. وأسِف وزير العدل بكير بوزداغ لقرار المحكمة الدستورية، معتبراً أن «القانون كان مطابقاً للدستور». لكنه اكد أن الحكومة «ستمتثل لقرار المحكمة». في المقابل، رأى سيزغين تارينكولو، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، أن «القانون يتضمّن عناصر مخالفة للدستور، إلى درجة أن أي قرار آخر للمحكمة كان سيثير دهشة»، معرباً عن ارتياح لأن «المحكمة الدستورية باتت سلطة مضادة للنظام». وحضّ الحزب جميع القضاة والمحققين وأعضاء الهيئة العليا للانتخابات الذين عيّنهم وزير العدل، على «الاستقالة فوراً» أو طلب نقلهم، من أجل الخضوع لقرار المحكمة الدستورية. لكن بوزداغ استبعد الأمر. وألغت المحكمة أيضاً فقرة خاصة بتخزين شركات الاتصالات أرشيف المستخدمين لسنتين، وتقديمها للحكومة إذا طُلِب منها ذلك، لتتبّع أي مستخدم إلكترونياً. وهذه فقرة وردت في قانون الإنترنت المثير للجدل الذي مررته الحكومة بعد فضيحة الفساد، من أجل تتبّع شبكة تواصل جماعة الداعية فتح الله غولن التي تخوض «حرباً» مع الحكومة، من خلال تسريب تسجيلات منسوبة إلى أردوغان ومقرّبين منه، تفيد بتورطهم بقضايا فساد. كما قررت المحكمة الدستورية فتح حساب على موقع «تويتر»، لاستخدامه في نشر قراراتها وأحكامها وأخبارها، وهذه خطوة غير متوقعة اعتبرها كثيرون تحدياً صريحاً لأردوغان الذي كان قال إنه «لا يحترم» قرار للمحكمة أمر برفع الحجب عن «تويتر»، باسم حرية الرأي والتعبير التي يكفلها الدستور. وبعد ساعات فقط على فتح الحساب، بات للمحكمة عشرات الآلاف من المتابعين على الموقع. واعتبر بوزداغ أن «توقيت هذه الأحكام يثير تساؤلات، خصوصاً أن ليس هناك ما يدفع المحكمة للتعجيل في البتّ في هذه القضايا الآن، وأمامها قضايا سابقة تنتظر أحكاماً في شأنها». لكن مصادر في حزب العدالة والتنمية الحاكم شددت على أن قرارات المحكمة الدستورية لن تثني أردوغان عن إصدار مزيد من القوانين يراها ضرورية للتصدي لحملة «تشويه يتعرّض لها من جماعة غولن»، لا سّيما أنه قد يخوض انتخابات رئاسية الصيف المقبل. ويبدو أن قرارات المحكمة ومساعي المعارضة وجماعة غولن، لن تنفع في النيل من شعبية أردوغان أو عرقلة وصوله إلى الرئاسة، بل لعلها تزيد من شعبيته بسبب قدرته على تحوير كل خطوة مناهضة له إلى «مؤامرة» تُحاك ضده، وهذه صيغة أثبتت نجاحها في الانتخابات البلدية الشهر الماضي. على صعيد آخر، أبلغ وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو نظيره الأميركي جون كيري امتعاضه من قرار وافقت عليه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، يصف ما حدث للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى بأنه «إبادة جماعية»، ويدعو إلى «إحياء ذكراها» في 24 من الشهر الجاري. وأعلنت الخارجية التركية رفضها «محاولة استغلال سياسي تشوّه التاريخ والقانون». وفي السياق ذاته، قال أمر الله إشلر، نائب رئيس الوزراء التركي، إن «عصابات أرمنية قتلت» أكثر من مليون تركي آنذاك.